لاشك أن التلفاز يعتبر مصدراً مهمّا للمعلومة من خلال ما تعرضه القنوات الفضائية من برامج مختلفة, ولاشك أيضاً أن ذلك المصدر يلعب دوراً مهما في تشكيل وجهات النظر و التأثير على المفاهيم لدى المُشاهد. المشكلة أن أغلب وسائل الإعلام و يأتي في مقدمتها الإعلام المرئي أصبحت لا تهتم بالحقيقة و إنما تعرض ما يوافق أهداف القناة و مصالحها تحت شعار (لا أريكم إلا ما أرى), و لأجل ذلك أصبحنا ننصدم بالواقع حينما نراه مختلفاً عمّا يصوّره لنا الإعلام! لذلك لا نستغرب أن يحظى الإعلام الجديد و الشبكات الاجتماعية بثقة المتابع رغم أنه إعلام بيد الأفراد ولكنه أكثر مصداقية.
الخلل أيضاً ربما يكون في المُشاهد نفسه إذ يسلّم بكل ما تعرضه الفضائيات و يجعله صورة نمطية في تصوراته. على سبيل المثال, المسلسل الشهير – و ليست كل شهرة مفخرة- طاش ما طاش لا يملك من يشاهده من غير السعوديين إلا أن يحكم على الشعب السعودي بالهمجية و الشهوانية و التخلف و فهْم الدين فهْماً مغلوطاً. الحقيقة أن المسلسل بدأ يأخذ منحىً آخر في السنوات الأخيرة مما يوجب على المشاهد رفض ما يُعرض فيه. لست أعني التجاوزات الدينية و الاستهزاء بالدين و أهله فهذا قد أشبعه غيري كلاماً و قد سبقهم بذلك كتاب الله – عزّ و جلّ- إذ يجرّم استهزاء المنافقين بالإسلام و النبي – عليه الصلاة و السلام- و أصحابه. ما أوّد التركيز عليه هو تشويه سمعة الرجل السعودي و المجتمع السعودي بأكمله.
صحيح أن الرجل السعودي و المرأة السعودية أصبحوا وجبة دسمة للإعلام العربي و العالمي و لكن أن يصدر هذا التشويه من قناة سعودية و ممثلين سعوديين فهذا ما لا نرضاه أبدًا. في الحقيقة لم أكتب هذا الكلام اعتماداً على وجهة نظر شخصية و إنما ما لمسته ممن تربطني بهم علاقة من غير السعوديين أو ممن يزور هذا البلد ثم يتفاجأ بأخلاق شعبه النبيلة و كرمهم و حسن ضيافتهم, و لا يجد أي مضايقات أو تسلط من الملتزمين الذين يصورهم المسلسل على أنهم الآمر الناهي في البلد ولا يقبلون إلا من يشاركهم الرأي مظهراً و جوهراً. أيضاً يتفاجأ الزائر بحشمة النساء و إكرامهن و كذلك دورهنّ في الأسرة و المجتمع بعكس ما يشاهده في طاش ما طاش. بالطبع أن المسلسل المذكور ليس هو المسلسل (السعودي) الوحيد الذي يعرض صورة مشوّهة و إنما هو الأبرز.
و بما أنني ذكرت موضوع التأثير و الصورة النمطية فمن الطريف أن الرجل العربي أصبح يعتقد بأن كل فتاة تركية ستكون كـ (لميس) و الفتيات يرون كل تركيّ (مهند), و هذا بعدما غزت المسلسلات التركية قنواتنا العربية. عوداً على الشأن السعودي و مسلسل طاش, يجب أن نطرح السؤال التالي: هل وزارة الإعلام مسئولة عن هذا التشويه؟ عفواً, يبدو سؤالي غبياً و لكن نحن في زمن التغابي!