الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

عفواً سمو الأمير .. تعليمنا إلى أين؟

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
التعليم في كل أمة حجر زاوية ، وهو في كل دولة مقياس للتطور ومؤشر للتنمية، وحين تحسب المبالغات في (ميزانيات) الدول فيستثنى من ذلك ما ينفق على الوزارات المهمة ، وزارة التربية والتعليم واحدة منها ، إذا ما تم الصرف بحقّه على تطوير التعليم. إن من المنصف القول أن تعليمنا في المملكة العربية السعودية خطى خطوات مهمة، وقفز قفزات في التطور والاتساع وعلى مستوى البنين والبنات ، ومن المبالغة القول بأننا وصلنا إلى الطموح المبتغى . وبرغم جهود الوزارة قديماً وحديثاً ، وطموحات العاملين فيها ، وتفاني المخلصين من قيادييها – وليس المجال لذكر هذه الجهود وشكر العاملين – إلا أنّ ثمّة مساراً للتعليم بدأت تتسارع خطاه هذه الأيام ، وثمّة أصوات خفية وأخرى معلنة ، ومن داخل الوزارة وخارجها باتت تتوجس خيفة من المسار والمستقبل للتعليم ، وتكاد تكون أبرز معالمه في النقاط التالية : 1 ـ التركيز على الابتعاث الخارجي للمرأة لحاجة أو لغير حاجة ، والزج بفتياتنا خارج الحدود حتى وإن كانت أوضاعهن لا تؤهلهن للابتعاث ، والتساهل في مشاركة المرأة في المهمات الخارجية دون قيد أو شرط ، واعتبار ذلك مظهراً من مظاهر التقدّم وتحقيق مكتسبات للمرأة ..؟! وحين المقارنة بين المرأة المشاركة من بلادنا مع مثيلاتها من الدول المجاورة ترى الفرق في هيئة ولباس وطرح نسائنا عن النساء الأخريات ، فهل تمثل نساؤنا بلاد الحرمين قبلة المسلمين شكلاً ومضموناً؟ . 2 ـ يلحظ المتابع سرعة قرارات الوزارة مؤخراً والتركيز على نمطية ولون من ألوان التطوير يركز على اختلاط الجنسين ويتخذ عدة مسارات أبرزها : أ ـ محاولة دمج الصفوف الأولى (البنين والبنات) في التعليم ، والبدء بالمدارس الأهلية، وبتدريس المرأة للصفوف الأولية (بنين وبنات) ، وكم تعجب من التفكير في هذا التوجه في زمن (الاصطفاف) الذكوري بحثاً عن الوظيفة ، وحين تشترك المرأة مع الرجل في البحث عن وظيفة ، فلا شك أن أعداد الرجال العاطلين لا تقارن بعدد النساء ، فضلاً عن الفرق بين قيمة الوظيفة وحاجتها للرجل عن المرأة ، ولو تمت هذه الخطوة لكان فيها تكريساً لبطالة الرجل ، وظلماً لصفوف المنتظرين ، فضلاً عن الإثارة وعدم الاهتمام بفتاوى العلماء المعتبرين ، بل وبقرارات الدولة – وفقها الله – وتعميم المسؤلين فيها بمنع الاختلاط ، وهو أمر لا يخدم الوزارة ، ولا يرضى عنه المجتمع ، فمن المستفيد؟. ب ـ محاولات إشاعة ثقافة الاختلاط وكسر حاجز القيم ببقاء النساء بمعزل عن الرجال صوناً لكرامتهن ، وحفظاً لهنّ وللرجال من الفتنة ، وليس أقوم وأنفع ولا خيرة بعد توجيه القرآن (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) <الأحزاب: 53> ، وفرق بين سؤال المتاع العارض ، وبين الجلوس لساعات طوال بين الرجل والمرأة ، وواقع الوزارة يشهد على اجتماعات مختلطة بين الفينة والأخرى في اجتماعات عامة ، أو خاصة لمسؤلي ومسؤلات الوزارة خارج الوزارة، والذي قد يتطور ليمارس داخل الوزارة حين تسكت الأغلبية الرافضة له . ج ـ كثرة الوفود الخارجية والداخلية للطلاب والطالبات تحت إشراف الوزارة للمشاركة في ندوات أو مسابقات أو نحوها ، ولا شك أنها خطوات غير مسبوقة، وحين تنظر إليها الأقلية على أنها نمط من أنماط التطوير وصقل المواهب تنظر الأكثرية إليها على أنها لون من ألوان المنكر ، وانتهاك لمحارم الشرع المطهر في سفر المرأة دون محرم واختلاطها بالرجال واعتداء على سياج الفضيلة . 3 ـ طرح الرياضة البدنية ، وإنشاء فرق الكشافة – في مدارس البنات – ونحن لا نعارض الرياضة البدنية ، لاكن هل نجحت في صفوف البنين ؟ وهل مفهوم الرياضة منحصر في إقامة ملعب ولبس الزي الرياضي ؟ وأين ستقام هذه الملاعب في وقت تشكو بعض المدارس من ضيق الفصول المهمة أو الغرف الإدارية اللازمة . وفوق هذا وذاك كم ستحتاج هذه المادة من معلمة يتعاقد معها ؟ وهل ستكون أولى من معلمات مقررات أخرى لا تزال تنتظر التعيين ؟ وأين سيكون موقع هذه المادة الرياضية في جداول ضاقت ، ثم اختزلت ساعات مقررات مهمة ؟ وهل يُراد أن تكون مادة الرياضة البدنية هي البديل ؟ . أعتقد أن من الحكمة أن نفكر بعمق في خلفيات القرار وآثاره ومتطلباته قبل إصداره، وأرجو أن يكون في الوزارة من يفكر هذا التفكير ! . أما الكشافة فهي مهمة (ذكورية) وأعتقد أن في طلابنا كفاية لإعفاء المرأة عن هذه الوظيفة ، إلا إن كان القصد خروج الطالبة ولباسها الكشفي فتلك عقدة النقص التي ينبغي أن نتخلص منها ، حتى لا تبذل الزهرة ، ولا يُمتهن الحياء المقدس في شرائع الأنبياء. 4 ـ ومن الخطوات التطويرية المزعومة ما نشرته بعض الصحف الإلكترونية (حرف) من اتفاق بين الوزارة والهيئة العامة للسياحة لتنفيذ برنامج (ابتسم) عبر سيدي (CD) يحوي مشاهد تمثيلية ، وخلفيته موسيقى ، وفوق ما في القرص المدمج من مقاطع موسيقية ففيه دعوة لتوجيه الطالبات للعمل السياحي . 5 ـ التسامح في إنشاء أو مراقبة المدارس العالمية ، والتي تعتبر نشازاً في مجتمعنا وبلادنا، فمناهجها لا تحمل دين ولا عادات ولا تقاليد بلادنا ، وقد يكون فيها مدرسون أو مدرسات ضد توجهات بلادنا ، فمن المسؤول عن انتشارها؟ ومن يراقبها؟ . 6 ـ ثمة إشكالية في اتخاذ القرار في الوزارة ، لم تعد حديث المجالس ، بل تجاوزت إلى الكتابة ، ومداخلة مندوبي الصحف عن الدور الخارجي المؤثر على قرارات الوزارة، وأياً كانت مدافعة الوزير ونفيه ، فلم تخرج هذه الإشكالية من فراغ ، وهي تعيد إلى الأذهان (شجرة الدر) التي كانت مجالاً للتندر في حقبة من التاريخ ، ومعاذ الله أن يكون فينا أو في أسلافنا نظرة دونية للنساء – معاذ الله – فهنّ شقائق الرجال ، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، ولكن للرجال عليهن درجة "ولن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة" ، قالها الذي لا ينطق عن الهوى ، بل اعتبر العلماء من فقه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه أن ربط بين هذا الحديث وحديث (تمزق ملك كسرى) ، وعلّق الحافظ ابن حجر رحمه الله على الحديثين بقوله : "ومناسبة حديث "لن يفلح قوم" لترجمة البخاري (باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر) أن كسرى حين مزّق الكتاب النبوي سلّط الله عليه ابنه فقتله ، ثم قتل أخويه حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير (المرأة) فجرّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا كما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم" (الفتح 8/128). ومن فقه البخاري كذلك أنه ذكر الحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) مرة أخرى في كتابه الفتن ؟ ح(7099) فاعتبروا يا أولي الأبصار؟ . إننا نؤيد أن تتولى المرأة شؤونها بنفسها ، وتدير عملها الخاص بها ومع بنات جنسها، ونشعر بإيجابية توجه الوزارة نحو توحيد الإشراف على الإدارات النسائية والأعمال التربوية النسوية للعنصر النسائي ، ولكن المحذور والمرفوض أن يتجاوز الأمر لتتولى المرأة إدارة الرجال وقيادتهم ، وسواء كان ذلك داخل مبنى الوزارة أو خارجها في قطاعاتها المختلفة. وحين نذكر للوزارة استقبال اللعماء الناصحين ، والاستماع والتأمل في كتابات الدعاة والمفكرين ، فالأهم ما وراء ذلك ، حتى لا تكون فقط من باب (امتصاص) الصدمات ، وإرضاء القيادات ، فلا يزال الناس ولا سيما (النخب والصفوة) يبحثون عن إجابات عملية لا مجرد تطمينات لا رصيد لها في الواقع التربوي . وحتى نكون فاعلين ومنصفين فلدى الوزارة توجه نحو استفتاء الرأي العام وبكافة شرائحه المختلفة ، لكن ماذا سنأخذ منه وما سندع؟ . ولدى الوزارة أرقام مهولة ومؤهلة من المدراء والمعلمين والمشرفين والإداريين فكم تستفيد من آراء هذه الأغلبية الممارسة الصامتة ؟ . ولدى الوزارة خطوات للتطوير لكن إلى أين ؟ وما مدى انسجام التطوير مع سياسة التعليم في بلادنا . وهنا ومن الإيجابية والمشاركة الفاعلية أقدم رؤية ومقترحات في التطوير تركز على النقاط التالية : § ألا تكون بوصلة (الاقتصاد) هي المحدد الرئيس لاتجاهنا وتطويرنا ، فثمة محددات أخرى في عمق الثقافة ، وترسيخ الانتماء ، وتكريس القيم ، وتثبيت الهوية، والسبق الحضاري ، وألا يكون (سوق العمل) القائم الآن هو المهيمن على استراتيجياتنا وتفكيرنا، بل يمكن أن نخلق من التعليم المتطور فرصاً للعمل تستقطب وتثمر وتساهم في تقدم بلادنا. § وجود رؤية واضحة لمنظومة التعليم وقضاياه ترسم بشكل أكثر احترافية تحدد من خلالها الأهداف والآليات وسبل ووسائل التطبيق . § تطوير الإجراءات والنظم الإدارية بحيث تتيح مزيداً من المشاركة والتفاعل بين كافة العاملين في الوسط التعليمي وتسمح بتجديد بنائها وتجديد مضامينها. § مراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية ، والتخلص من وهم التبعية للنظريات والدراسات الغربية، فليس كل دراسة حديثية قابلة للتطبيق ، وليس كل اتجاه جديد يتناغم مع هويتنا وقيمنا . § المعلم أو المعلمة حجر الزاوية في العملية التعليمية فإعدادهما مهنياً وتربوياً، وتوفير كافة الظروف والمناخات المناسبة ضرورة ملحة في عملية البناء والتطوير. § تنظيم العلاقة بين مضامين المناهج وأساليب التعليم وبين المهارات والمعارف التي يتطلبها سوق العمل وفق رؤية تراعي منطلقات هذا البلد المبارك، وخصوصية مجتمعه واحتياجات العصر ، وأن نقدر في صياغة مناهجنا الفروق الجنسية ، وتأهيل كل جنس لوظيفته ، أما توحيد المناهج في صياغة واحدة للذكور والإناث ففيه إغفال للفروق وتجاهل لاختلاف الوظائف. § الاستفادة من عنصر التقنية في تسهيل وتبسيط عملية التعليم والتعلم وجعله مفردة مهمة في عملية التطوير في مجتمع متغيّر وعالم متسارع. § تجذير مفهوم الإبداع وتطبيقاته في البيئة التعليمية بحيث يكون منظومة متكاملة ومترابطة ، لا أن يكون مجرد أفكار ومشروعات متناثرة لا رابط بينها. § زيادة الإنفاق على الأبحاث والدراسات العلمية والاستفادة من مخرجاتها بشكل فاعل ، وخاصة الدراسات الميدانية التي تقف على الواقع وتنطلق منه. وبعد سمو الأمير فهذا إبحار في قضية تهمنا جميعاً (مستقبل التعليم) ، وآمل ألا ينقطع نفس القراءة دون استكمال فقراتها ، كما آمل ألا يغتر سموكم بتطبيل فئة مرجفة أُتيح لها فرص التعبير في وسائل الإعلام أكثر من غيرها ، ومن أقبح مفرداتها وطرحها : ـ تعميم رؤيتهم المطروحة وكأنها رأي الأغلبية ، وهذا افتراء وسلوك إقصائي مشين!. ـ والمخادعة في تصوير التطوير هجوماً على الفضيلة ، واتهاماً للعلماء ورفضاً للحجاب، ودعوة للاختلاط والسفور ، وهجوماً على المناهج ، ... إلخ . ـ والاختراق لسياسة التعليم والإعلام ، وعدم الالتزام باللوائح والأنظمة . كما آمل من سموكم الاستفادة من رأي الأغلبية الصامتة (داخل الوزارة) أو خارجها، عبر استبانات دقيقة ، ولجان موثوقة ، وتقدير الرؤى والمقترحات . وأخيراً سمو الأمير : فسيظل التاريخ يسجل ويرصد ، وأهم من ذلك وأدق رقابة الخالق وتقواه (( لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) (49) <الكهف: 49>(( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )) (2) <الطلاق: 2>. كان الله في عونك على أداء الأمانة ، ونفعك ببطانة صالحة تدلك على الخير وتعينك على العمل به ، ورزقنا الله جميعاً الهدى والتقى ، وسدّد على طريق الخير خطانا، وحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه ، وجمع كلمتنا على الحق . * الأستاذ بجامعة القصيم [email protected] اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook