الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

من مريم جميلة إلى المنبهرين بالغرب

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
من الأمور الدقيقة التي يغفل عنها كثير من المتابعين لواقع الإسلام كدين؛ أمر دخول عدد كبير من الغربيين البارزين إلى ساحة الإسلام، واتخاذهم الدين الإسلامي منهجاً للحياة بعد أن تاهوا في مذاهب الأرض وعقائدها شرقاً وغرباً، ولعل من آخرهم الفيلسوف الفرنسي (رجاء غارودي) أحد أكبر أساتذة الماركسية في فرنسا حيث كان إسلامه ضربة قاتلة لقلعة الفكر الفلسفي الغربي، ولا يمر عام إلا ونسمع بحمد الله مثل هذه الأخبار المبشرة التي تثلج الصدر وتلقم أعداء هذا الدين حجراً في أفواههم التي ما كلّت تصدّ عن هذا الدين بكل الوسائل والسبل (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . ولا ينفك المتابع لهذه الرحلات المباركة من شتى الديانات والمذاهب الفكرية إلى حياض الإسلام على مرّ العصور من تساؤلات كثيرة تأتي في مقدمتها لماذا اختار كل هؤلاء الإسلام ديناً ومرجعاً ودستوراً للحياة المعاصرة، وشفاءً لأسئلتهم الكبرى في الكون والحياة وما بعد الحياة، ومالذي دفعهم بعد كل تلك التجارب والحياة المحفوفة بالشتات ليعودوا إلى فطرتهم التي فطرهم الله عليها، الإجابة على هذا السؤال الكبير جاءت واضحة جلية في كتابات كثيرة سطّرها أولئك المفكرون والعلماء والفلاسفة ممن أسلموا قديماً وحديثاً في كتبهم ومدوناتهم . مريم جميلة تلك السيدة الأمريكية اليهودية الواعية التي بحثت منذ فترة مراهقتها عن الحقيقة حتى وجدتها في الإسلام فآمنت ودخلت دين الإسلام وحسن إسلامها وأصبحت من المفكّرات الداعيات إلى الإسلام، ولها إسهامات فكرية ودعوية كثيرة بعد مراسلات نقاشية استمرت قرابة ثلاث سنوات مع الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله، ولدت مريم جميلة في نيويورك 1934م لأبوين يهوديين من أصل ألماني وكان اسمها (مارغريت ماركوس) وكانت في طفولتها تحضر الدروس التي تقيمها مدرسة الأحد اليهودية، وتسمع الحاخام وهو يخبرهم بأن العرب واليهود هم أبناء إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ثم إنها صُدمت بعد ذلك يوم رأت أبويها يحتفلان بقرار تقسيم فلسطين سنة 1947م ويحتفلان بانتصار اليهود سنة 1948م فصارت تناقش أبويها بقوة في موضوع إقامة دولة اليهود على أحزان العرب وآلامهم، ومرت بتناقضات كثيرة جعلتها تُقبل على القراءة المطولة من فتاة مثلها في الديانات وكانت مما قرأت ترجمة معاني القرآن الكريم للبريطاني المسلم محمد مارمادوك فتأثرت بما قرأت كما قرأت أيضاً كتاب (مشكاة المصابيح) مترجماً إلى الانجليزية إضافة إلى عشرات الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن الإسلام، وقد واصلت دراستها الجامعية في جامعة نيويورك بكلية الآداب، واستطاعت قبل إسلامها أن تتواصل عبر المراسلة التقليدية مع عدد من الشخصيات الإسلامية الرفيعة في عصرها فقد راسلت العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والأستاذ سعيد رمضان والدكتور محمد معروف الدواليبي والأستاذ سيد قطب في سجنه، بيد أن نقطة التحول في حياة مريم جميلة كانت عبر مراسلاتها مع الأستاذ أبي الأعلى المودودي رحمه الله، وقد عرفته بقراءتها مقالةً له في مجلة إسلامية كانت تصدر في جنوب إفريقيا، وقد أعجبت بالمقالة جداً فراسلت الأستاذ المودودي إلى عنوانه في باكستان مستفسرة عن الإسلام مناقشة إياه في عدد من القضايا المحورية في الحياة والكون والدين الإسلامي واستمرت المراسلات بينهما قرابة ثلاث سنوات، وكانت تنقل له في مراسلاتها ما يقال عنه في إعلام أمريكا وكندا آنذاك. وبعد كل تلك القراءات والمراسلات شرح الله صدرها للإسلام سنة 1381هـ وابتدأت حياتها بعد إسلامها بسلسلة من الابتلاءات والمحن الشاقة كان أشدها تخلي والديها عنها وهي في سن السابعة والعشرين فضاقت عليها الدنيا بما رحبت عندها قررت الهجرة إلى باكستان وقد كان الأستاذ المودودي قد عرض عليها مراراً أن تهاجر إلى باكستان واستطاع أن يقنع أبويها على أنها ستجد كل الرعاية والاهتمام فهاجرت وتركت أمريكا التي يسيل لها لعاب الكثيرين اليوم. ومن أبرز محطات حياة مريم جميلة المهاجرة أنها لبست الحجاب الكامل في باكستان والتزمت به وكانت معتزة به، وهي الفتاة التي عاشت حياة الانحلال والانفتاح في أمريكا فأين دعاة الانحلال ونبذ الحجاب من المسلمين عنها؟! كما حاولت أن تدعو أبويها للإسلام مراراً عندما كانت في أمريكا واستمرت في دعوتهما بعد وصولها إلى لاهور بباكستان لكنهما رفضا وماتا على اليهودية، ولم تكن مريم جميلة مسلمة فحسب بل عرفت الدور الذي ينبغي للمرأة المسلمة أن تقوم به فقد كانت مولعة بالقراءة والاطلاع والدعوة والإرشاد ما أثمر عن تأليف قرابة خمسة وعشرين كتاباً وكلها تفيض بروح وثابة وفهم عميق وثقافة واسعة، كما أنها كانت متفاعلة مع قضايا وأحداث العالم الإسلامي ولها في هذا الباب مؤلفات عديدة أشهرها كتاب عن مأساة الفلسطينيين سمته (أحمد خليل). بعد قصة هذه الفتاة التي عاشت الحضارة الغربية وعرفت مداخل الحياة الغربية ومخارجها ثم لم تلبث حتى اتخذت شريعة الإسلام منهجاً لها في الحياة، كم هو مؤسف أن نرى ونشاهد اليوم من أبناء المسلمين من انبهر بتلك الحضارة وزيفها ورفع بها رأسه ونسي هذا الدين العظيم واعتبره رجعية وتخلفاً، في الوقت الذي تتعطش فيه أرواح ملايين الغربيين لدين يحميهم من ويلات المدنية الجوفاء وال الكون، حياة هذه المرأة المهاجرة رسالة إلى المنبهرين بالغرب المائلين إليهم حباً وولاءً ورسالة إلى المرأة المسلمة الواعية ودورها في الحياة .. زمزم فينا ولكن من *** يقنع الناس بجدوى زمزم صلاح عبدالشكور – مكة المكرمة [email protected] اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook