الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

يا صديقي: أنت "لبلابي" ولست "ليبرالي"

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
إذا كان في مجتمعنا من يعرف حقيقة الليبرالية ولديه الاستعداد لتسديد "فاتورة" الدعوة إليها والانتماء إليها فليكن صريحاً ناطقاً بهذا الانتماء لا أحبذ الكتابة في الصحافة عن أحاديث الأصدقاء الخاصة وما يدور من مناوشات فردية في المجالس الخاصة إذا لم تكن لها صلة بالقضايا العامة، فالقارئ ليست له علاقة بما يدور بين الأفراد من أحاديث ومسامرات واختلافات والمساحة التي تخصصها الصحف لكتابها ليست "استراحات" يلتقون فيها مع الأصدقاء لتبادل الثناء أو التراشق بالكلام. لكن لي صديق مغرم بحديث "الليبرالية" الدائر في هذه الأيام. يتابع بحماس وجلد ـ يحسد عليه ـ ما تنشره الصحف والإنترنت من التراشق المتبادل.. وهو لا يتجاوز ما في الصحف اليومية والإنترنت لأن "وعاءه" المعرفي لا يتسع لأكثر من وجباتها الخفيفة ومعدة فهمه لا تقوى على هضم دسم المراجع الأصلية للمفاهيم الفكرية والفلسفية وتتبع تاريخها وتجلياتها في حياة المجتمعات البشرية. هذا الصديق الظريف المغرم بالخوض في ما لا يحسن يمتاز بالقدرة على القفز من الفكرة إلى نقيضها والصعود إلى العناوين الضخمة الفخمة والانحدار بسرعة البرق إلى الفهم البسيط الذي يتعثر في تركيب الجمل.. لا تستطيع أن "تمسكه" في موقف يتفلت من سياقات المنطق بميوعة مثيرة للأعصاب كأنه "لحمة الملوخية" لا تستقر بين الأصابع. في الأسابيع الماضية ما كان له حديث إلا عن معركة الليبرالية السعودية. يأتي إلى مجلسنا فرحا بما يصفه بعنف أحدهم وحدة عباراته وحديتها حين يقسو على خصومه لأنها، في نظره، تفقده "تعاطف" القراء. ويتعكر مزاجه ويزداد اضطرابه حين يستشعر تهافت حجج بعض من تصدى له بالرد.. وبين "الانبساط والانقباض" عاش هذا الصديق أياماً قلقة انسحبت على أصدقائه وجلسائه.. وفي الأسبوع الماضي فاجأني في غير مواعيد لقاءاتنا بفرحة غامرة، يلوح بإحدى الصحف اليومية وهو يقول: تفضل: ألم أقل لك إن الليبرالية مذهب إسلامي أصيل (!!) هاهو كاتب محترم مشغول بالغوص في أمهات كتب الفقه يقول إن عمر بن الخطاب كان زعيماً ليبرالياً (!!) بل قال أبعد من ذلك، وإن قاله بغمغمة معروفة أسبابها، حين ألمح إلى أن "حفر الخندق" موقف ليبرالي لأن الحكمة ضالة المؤمن (!!!!).. قلت له مهلاً: لا تتهم الرجل بما لم يقل ولا تحاول أن تفسد بين الناس فهذا الكاتب أغلب معالجاته تهدف إلى "مناكفة" اتجاه التشدد، الذي يمقته الكثيرون، لكن هذه المناكفات تدفعه ـ أحياناً ـ إلى "الخروج على النص" وقد تغريه "القافية" فيتمادى لكن لا تتهم الرجل بما لم يقل. فشلت خطة "الوقيعة" وإفساد ذات البين التي خطط لها الصديق لكن ظلت القضية الأساسية قائمة وهي أن هذا الصديق، ومن يتفق معه، يأتون بكلام مائع لا يربطه رابط ولا يستقيم على محاجة وهو حصيلة العجلة والاكتفاء بالعناوين والبقاء على سطح الأشياء، فإن كتبوا أو تحدثوا كان "المنتج" شبيها بجبة الدرويش، المرقعة: تجد فيها الأبيض والأسود، الأصفر والأخضر، الأحمر والأزرق. ومن دعاوى هذا الصديق وتخليطه أنه يصر على أن التنادي بالإصلاح ومساندة تيار الإنصاف والمطالبة بإشاعة العدل ونشدان الحرية والدفع بتنمية المجتمع وصون ثروته وحفظ كرامة أهله هي بضاعة ليبرالية خالصة ومن ليس من "قبيلة الليبرالية" هو، بالضرورة، ضدها معاد لها (!!!). قلت له: اسمع يا صديقي أنت بهذا الفهم "لبلابي" ولست "ليبرالي" حججك كشجرة "اللبلاب" لا تتطاول وتخضر إلا إذا استندت على ساند يرفعها من "ليونتها" وميوعة عروقها.. وهذا الفهم الملتبس هو "لبلاب" فكري وليس ليبرالية، كما عرفها أهلها وافتخروا بها ورفعوا شعارها ولوحوا براياتها.. فالليبرالية "وجهة نظر" إنسانية تدور حول حرية الفرد المطلقة التي لا يقيدها إلا ما ارتضاه الإنسان لنفسه أو فرضته قوانين المجتمعات القائمة على اختيار الفرد.. وهي ـ كأي وجهة نظر إنسانية ـ فيها الكثير من الجمال ونشدان الحق والتطلع إلى العدل لكنها تظل ـ في صورتها النقية ولبها الأصيل ـ موقفاً مستقلاً فلا تنتسب إلى دين ولا تتذرع بأفكار من غير رؤيتها، ودعاتها الصادقون لا يرضون أن يتدثروا بأثواب تتعارض من جوهر فكرهم. وإذا كان في مجتمعنا من يعرف حقيقة الليبرالية ومقتنعا بنظرتها للحياة ولديه الاستعداد لتسديد "فاتورة" الدعوة إليها والانتماء إليها فليكن صريحاً ناطقاً بهذا الانتماء، وليدع عنه "التخفي" تحت شعارات هو يدرك ـ قبل غيره ـ أنها تدليس على الليبرالية قبل أن تكون خداعاً لأهل "السطوة" من المجتمع. وإذا كانت هذه الفئة تدرك "مخاطر" الانتماء لهذه الرؤية ولا تقدر على تكاليفها ـ وقد يلتمس لها العذر ـ فلتكف عن الصراخ والترويج لبضاعة مغشوشة لا هي ليبرالية ولا هي غيرها. ثم لماذا يتمسح بعض المخلصين من أبناء الوطن بالليبرالية إذا أرادوا المناداة بالحق والعدالة والحريات العامة ومساندة المرأة وحقوقها والدفاع عن المظلومين؟.. لماذا يعتقد هذا البعض أن رفع راية الإنصاف لا يتم إلا تحت لافتة "الليبرالية"؟.. لماذا لا يكون شعار "الوطنية" هو اللافتة الجميلة التي يلتقي عليها دعاة "الحرية"؟ أم إن البعض يريد أن يصادم الأفكار الشاذة التي يحملها أصحاب العقول الضيقة والرؤى المتشددة ولا يستطيع التصريح بذلك فيرى الليبرالية لافتة مناسبة لهذا الوقت؟ أعتقد أن في مفهوم الوطن ومبادئ حضارته وثقافة أهله وقيمهم مظلة ضافية تتسع لسنة الاختلاف التي لا تحرم أحدا من المشاركة في إشاعة المبادئ الإنسانية الفاضلة من عدل وحرية وصون كرامة. ومن الظلم وتجاهل الحقائق أن تدعي مجموعة أو فئة أنها الأولى والأحرص من غيرها. اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook