الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

طلابنا المبتعثون.. خيرٌ قادم أم خطرٌ داهم؟!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
كنت قد كتبت هنا سلسة من المقالات عن المرأة المسلمة «مكانتها في الإسلام، حقوقها وواجباتها، المظالم التي تتعرض لها» تلقيت بعدها رسالة من مبتعث سعودي اسمه عبدالعزيز، يقول إنه مقيم بلندن منذ أربع سنوات، وإنه ارتد عن الإسلام بعد أن اكتشف حقيقة هذا الدين الذي يظلم المرأة ويهينها، ولا يعترف بكرامتها وإنسانيتها ـ على حد تعبيره ـ !! خضت معه حوارا طويلا عن قصته وظروف إلحاده وغير ذلك، ليتضح لي أنه غادر المملكة للدراسة في الثامنة عشرة من عمره هش البناء، ضعيف التجربة، مضطرب القيم، ليصطدم بثقافة وحضارة مختلفة تماما، فتتهاوى بداخله كامل قناعاته السابقة، ويتحول إلى شخص جديد لا دين ولا هوية له، في ظل انعدام المتابعة من أسرته والجهات المسؤولة عنه لدينا. إن ملف الابتعاث ملفٌ ثقيلٌ شائك، بقدر أهميته يكمن خطره وحساسيته. خطوةٌ تدفع فيها الدولة أبناءها وأموالها إلى الخارج، ليعودوا بالعلم والمعرفة والتمكين الثقافي والحضاري، فإما أن يرتقي ذلك بالوطن وينهض به، وإما أن يرتدّ ذلك حسرة على البلد وأهله في غفوة من الضمير أو غفلة من العقل. وإذ تحتل السعودية المرتبة الأولى بين دول العالم في عدد المبتعثين مقارنة بعدد السكان، حيث يهدف برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث إلى رفع عدد الموفدين إلى الخارج من 80 ألف إلى 140 ألف مبتعث ومبتعثة، لذا فإن حكومة البلاد تعوّل على أولئك المبتعثين، وتراهن عليهم بعد العودة في المشاركة الفاعلة ودفع عجلة التنمية بما حققوه وحصّلوه من خبرات في التخصصات الحيوية والعلوم الدقيقة النادرة. ولكن أن تعلن وزارة التعليم العالي عن إعادة 12 ألف مبتعث بعد فشلهم فهذه فاجعة كبيرة! فيها ما فيها من الهدر الهائل للجهود والطاقات والموارد الوطنية، وتحمل الكثير من الدلالات والعبر التي يجب التنبه لها. لا شك أن الابتعاث الخارجي له إيجابياته الكثيرة، وأن من شبابنا المبتعثين من مثّل دينه وبلاده خير تمثيل، وأثبت جدارته للمنافسة والتفوق، ولكن هذا لا يعني أن تتجاهل الوزارة الجوانب السلبية لهذه القضية، فمن الطلبة السعوديين من وقع في براثن الخمور والمخدرات والجرائم الأخلاقية والقانونية، بل وصل الأمر إلى أن تَنَصّر عدد منهم. إن المبتعثين في الخارج يعانون كثيرا من تقصير السفارات والقنصليات في التعاون معهم، وضعف دور الملحقيات الثقافية ونقص المتابعة للطلاب، فهل يُعقل أن يشكو بعض الطلبة من أنهم لم يلتقوا المشرف المسؤول عنهم رغم مرور عامين أو ثلاثة على تواجدهم بتلك الجامعة؟!! يجب تقنين الإيفاد الخارجي وقصره على المتفوقين والمتميزين وطلاب الدراسات العليا، وتهيئة المبتعثين الجدد وتحصينهم دينيا ونفسيا وثقافيا، وتوعيتهم بأنظمة البلاد المبتعث إليها. وأن تقوم الوزارة بالتعاقد مع أفضل المعاهد العالمية للغات ليتلقى الطالب عامه التأسيسي في اللغة هنا في بلاده قبل إلحاقه ببرنامج الابتعاث، وبذلك يختصر الدارس الكثير من الوقت والمعيقات في مشروعه الدراسي. ثم ينبغي أن تزاد عدد المُلحقيات الثقافية لمواكبة التوسع في الابتعاث وتفعيل دورها، أو فتح مكتب في كل جامعة كبيرة. وزيادة عدد المشرفين الدراسيين مع تعزيز العلاقة بين الطلاب والملحقيات، وتكثيف الإشراف وعقد الاجتماعات الدائمة مع الطلاب لبحث مشكلاتهم وملامسة همومهم، ودعم الأندية الطلابية للطلبة السعوديين. كما يمكن إيجاد البدائل المناسبة للاغتراب بإنشاء جامعات وطنية على مستوى عال من الكفاءة والتطور ورفدها بالكوادر من أعرق الجامعات العالمية ودعمها بالتخصصات المطلوبة. ويمكن التفاوض مع الجامعات العالمية المشهورة بقوتها معرفيا وحضورها بين جامعات العالم، لافتتاح فروعها داخليا وفق شروطنا نحن بما يتلاءم مع ضوابطنا الدينية ويراعي قيمنا وثقافتنا المحلية، ويوفّر المليارات بتوجيهها لصالح الاقتصاد المحلي. فيتلقى الطالب بذلك ما يحتاجه من العلم تبعا لأرقى الأنظمة التعليمية، ولكن في أجواء آمنة مستقرة تحفظ للطالب أو الطالبة المسلمة دينهم وأخلاقهم وكرامتهم. رؤية من العمق قمت بإرسال موضوعي هذا عن الابتعاث لأحد الأكاديميين والمثقفين الكبار فجاوبني بالآتي: الأمر أكبر وأخطر! وقد تجاوز الحلول المكرورة. كثيرون طرحوا ما طرحت ولم يجد طرحهم أي أذن مصغية، والقضية أكبر من أن يكتب فيه مقال هنا أو هناك أو أن يناقش في برنامج أو ندوة إعلاميه في قناة أو أخرى.. الأمر يتعلق بأمن البلد الفكري والثقافي، والمقام اليوم مقام تصعيد المطالب، والتقدم خطوة للأمام إلى مستوى المطالبة بعرض القضية على لجنة وطنية مستقلة ومكونة من ذوي الأحلام والنهى من رجالات هذا الوطن المعروفين بحرصهم على مصالح الوطن العليا. ليوضع على طاولة نقاشهم قضية الابتعاث الخارجي بكل أبعادها وأهدافها وآثارها ومخرجاتها، ثم تخرج تلك اللجنة بتوصياتها، وتؤسس لوضع ضوابط وشروط يجب تحققها في المبتعث وفي المكان وفي الزمان لتحصيل أكبر قدر من الفوائد وتلافي أكبر قدر من السلبيات في العملية برمتها ... حينها يمكن أن يطمئن الغيارى أن أبناءهم وإخوتهم في أمان، وأن البلد يسير نحو البناء لا الهدم. اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook