الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

لا أريد خادمة !!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
والدتي -حفظها الله- سيدة متدينة، لم ألتق في حياتي قط من هو أكثر منها تعاطفا مع المغتربين. وإشفاقا على العمالة الوافدة، ورحمةً وتلطفا بذوي الظروف الصعبة وتقديرا لأوضاعهم. لطالما كانت تجد الكثير من اللوم والنقد لإصرارها الشديد على موقفها المعارض لاستقدام عاملة منزلية! ذلك الموقف الذي انطلق من قناعتها ومخاوفها التي كانت تعبر عنها دوما بهذه الجملة: "لا أريد أن أظلم أو أُظلَم". ثم وأنا أتابع يوميا كل تلك الأخبار المحزنة والقصص المخيفة التي تُبث عبر وسائل الإعلام عما يتعرض له الخدم من صور الظلم والعنف. أو ما يقع منهم من جرائم ومشكلات بحق الأُسر التي يعملون لديها. أتأمل رأي والدتي وأزداد تفهما لأسباب توجسها. فإقامة ذلك العقد الإنساني المنصف بين الطرفين ليس بالأمر السهل. فهو يحتاج الكثير من الوعي والجهد والقيم الحاضرة. لتنشأ علاقة إيجابية تحقق المنفعة المتبادلة وتقوم على الرضا والقناعة لا الاضطرار والكراهية. وإذ تتوقع الخادمة احتراما لكرامتها وإنسانيتها ومنحها كامل حقوقها التي كفلتها لها مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية. وعدم مخالفتها أو انتهاكها. فإن المواطن المُستقدم لها في المقابل يتوقع خدمةً مميّزةً وقياما بالواجبات. يتلاءم مع تلك المبالغ الطائلة التي يدفعها. فبحسب اللجنة الوطنية للاستقدام المنبثقة عن مجلس الغرف السعودية فإن الإحصاءات الاقتصادية تقدّر حجم إنفاق السعوديين في هذا الجانب بنحو 28 بليون ريال سنوياً. فيما يتكبّدون خسائر بنحو 38 مليون ريال بسبب هروب ما يقارب 7 آلاف عاملة منزلية سنويا من منازل كفلائهن!!. ومع أن تواجد الخدم ظاهرة وضرورة اجتماعية واقتصادية في كل المجتمعات. إلا أن انتشار هذه الظاهرة وبروز آثارها السلبية في الخليج عامةً والمجتمع السعودي تحديدا، يستوجب دراسةً مستفيضة وإعادة نظر في هذه القضية. فقد كشف تقرير أعده بعض الباحثين مؤخرا عن أن %89 من منازل الأسر السعودية توجد فيها خادمة واحدة على الأقل! لذا فإن استمرار تدفّق العمالة المنزلية بهذه المعدلات المتسارعة ينذر بالخطر. وعدم وجود البدائل المناسبة أو خروج المرأة للعمل وكثرة الأعباء المنزلية. لا تبرّر وجود أكثر من مليون خادمة أجنبية على الأراضي السعودية. يشاركننا حياتنا وبيوتنا وخدمة أزواجنا وتربية أبنائنا. إن لم أكن أكثر تشاؤما أو ربما صدقا وأقول: يسيطرن تماما على قيادة الأسرة وتوجيهها ورعايتها ويتولين مهام الزوجة والأم في آن. لا تمثّل الضرورة والحاجة الملحّة للاستقدام إلا سببا واحدا من جملة أسباب أكثرها مؤسف وغير سوي كالتباهي والتفاخر، والتقليد للغير، وتخلي المرأة عن مسؤوليتها، وركون أفراد الأسرة للاتكالية والخمول. إن النتائج السيئة التي أفرزتها ظاهرة الخدم في المجتمع السعودي لا يسهل حصرها ولا يستساغ تجاهلها، من ظهور العلاقات المشبوهة داخل الأسر، وإفساد الأطفال بإكسابهم بعض العادات والممارسات الدخيلة، وتفاقم المشكلات الزوجية، وارتكاب الخدم لبعض الجرائم كالإساءة إلى الأطفال، أو ممارسة السحر والشعوذة، أو السرقة وغير ذلك. وهذا ما يقتضي تحركا رسميا لتدارك الأزمة كتقنين الاستقدام وضبطه بظروف واشتراطات معينة، وتوفير الحضانات ورياض الأطفال لمساعدة الأم العاملة للاستغناء عن الخادمة، والترخيص لمؤسسات تشغيل العمالة المنزلية بنظام التأجير لساعات أو أيام، وتكثيف الجهود من قبل الحكومة والنخب الدينية والتربوية والإعلامية لتعزيز قيم التكاتف والتعاون بين أفراد الأسرة ونشر ثقافة العمل والاعتماد على النفس ونبذ المظاهر الزائفة. قلتها سابقا وأكررها اليوم: رسالتي للمتباكين على حال المرأة الخليجية أو السعودية خاصة. متذمرين من إصابتها بأمراض السمنة أو الاكتئاب وسلبيات الفراغ. جاعلين المخرج الوحيد الدفع بها إلى ساحات الملاعب والأندية!! اسمعوا مني هذه المرّة: أعيدوا الخادمات إلى ديارهن وحسب. لننعم جميعا بالصحة والاستقرار والسعادة الوافرة. اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook