الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

«اللذة المشروعة!»

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

"أول حوار مع نوعه"، هو المقال الأخير الذي تحدثنا فيه عن النفس، وكيف أن الإنسان مطالب بأن يقيم حواراً مع نفسه، وقلنا إن هذا الحوار هو باب الولوج للتصالح مع النفس! وهو مصطلح قد يكون عجيباً غريباً فريداً، ولكنه الهدف النهائي الذي يريده الإسلام من العبد المسلم، فليس مطلوباً أن يعيش الإنسان في نزاع دائم مع النفس، ولكنه يراقبها ويحاسبها في إطار من المصالحة، وليس العناد والخصام والشقاق.

اضافة اعلان

فإذا ما أقام الإنسان حواراً كاشفاً صريحاً مع نفسه، فهو على الدرج الأول من سلم المصالحة مع تلك النفس التي تحتاج إلى من يستمع إليها ويُسمعها، وتحتاج إلى أن تشتكي ويشكى لها، تحتاج أن تشعر بذاتها وقيمتها، وتحتاج إلى من يصاحبها ويزيل عنها وحشة الطريق وطول السفر.

ومن كثرة ما قيل عن النفس البشرية، وغوايتها وفتنتها في تراثنا، فإنك تجد بعض أصحاب العزائم القوية يبالغون في القسوة على تلك النفس؛ بدعوى أن تلك القسوة هي سبيل الإصلاح والتقويم، ولا يصلح غير ذلك, فيما تجد على الجانب الآخر من ينطلق من ذات المنطلق ألا وهو أن النفس في أصلها غاوية منحرفة؛ ومن ثم فلا سبيل لتقويمها أو تهذيبها أبداً.

وأنت تجد كلا الفريقين قد فقد اللذة المشروعة.. وما أعظمها من لذة! إنها لذة المصالحة والتناغم مع النفس والذات, فيشعر الإنسان حينها بقوة ذاتية هائلة تدفعه دفعاً إلى الأمام, فيهنأ بحياته أيما هناء, وهو كذلك يعيش في مرضاة ربه وكنفه ورعايته إذ حقق المعادلة الربانية والقاعدة الذهبية: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)).

ولك أن تتأمل قول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) إنه سلام مع النفس! أي أنك لن تعاند ذاتك ونفسك؛ لأن الإنسان فطر على الإيمان فإذا آمن انسجمت ملكاته مع بعضها البعض، فإن عصى وكفر حصل هناك عناد مع ذاته ونفسه، وكان الشقاء كل الشقاء في دنياه وآخرته.

يقول سيد قطب ـ رحمة الله ـ: "وأول مفاهيم هذه الدعوة أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله، في ذوات أنفسهم,... وهي دعوة توجه في كل حين للذين آمنوا ليخلصوا ويتجردوا وتتوافق خطرات نفوسهم، واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم,..., والمسلم حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كله سلم وكله سلام. عالم كله ثقة واطمئنان، وكله رضا واستقرار. لا حيرة ولا قلق، ولا شرود ولا ضلال. سلام مع النفس والضمير".

إن هذه اللذة المتولدة عن الانسجام مع النفس والدخول في السلم وجدها الكثير من الصالحين، الذين انسجمت ذواتهم مع أنفسهم وسارا معاً على طريق السلم كافة حتى قال أحدهم, وهو مالك بن دينار ـ رحمة الله ـ  واصفاً ما يجده من لذة: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف".

قد تكون هناك مشقة بالغة في هذه المصالحة التي لم يعتدها الإنسان.. وقد تكون هناك عقبة كؤود, بل عقبات, في طريق المصالحة مع النفس, ولكن من أكثر الطرق أوشك أن يفتح له الباب, وصدق الشاعر حينما قال:

تهون علينا في المعالي نفوسنا.. ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

تريدين إدراك المعالي رخيصة.. ولا بد دون الشهد من إبر النحل

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook