الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الأمراض الإدارية

خلود
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

  يعاني مجتمعنا العربي من أمراض إدارية مزمنة، ولأن الجهاز الإداري يعتبر أحد أهم ركائز المجتمع والمجتمع السوي المتكامل هو ركيزة كل كيان يسعى للتنمية الإدارية وللتطور بثقافته وقيمه السمحة المستمدة من الدين الاسلامي، فانه متى ما تم تقديم المصلحة الخاصة على الصالح العام .. هنا تتفشى الأمراض الإدارية.

اضافة اعلان

 و في إطار الانتشار الواسع للعولمة وأضرارها المتمثلة في التخلي عن بعض القيم الإسلامية؛ هناك عدة امراض تفتك بالجسد الإداري رغم العلاجات المتعددة ، أذكر لكم أبرز ثلاثٍ منها :

  • مرض المحسوبية (Nepotism) :

    وهو نمط سلوكي ينطلق من دوافع شخصية واعتبارية تقوم على استغلال النفوذ في الإدارة لتحقيق مآرب شخصية ليست معتبرة شرعاً، وهذا المرض الأكثر شيوعاً، والذي يعاني منه الكثير من المجتمعات الوظيفية كوجود شخص غير مناسب في منصب يحتاج كفاءة أعلى، ولا شك أن لهذا المرض آثار سلبية كثيرة على مستوى الكفاءة في الإدارة و المسؤوليات لأن القرارات و الاجراءات تقوم على الوساطة والمحسوبية مما يؤدي ذلك الى إعاقة إدارية و يعمل ذلك على تعطيل عملية  تكافؤ الفرص والمساواة، وغرس العداء في النفوس و إضعاف الثقة بنزاهة الإدارة و عدالتها و الحد من الطاقات البشرية و جعل الإمكانات الفذة تفقد طموحها لمحدودية القدرات الموجودة والترهل الوظيفي والضرر بالاقتصاد بشكل عام ..

   على الصعيد الشخصي لست ضد توظيف ذات الصلة بالقرابة إذا كان مؤهل 100٪ للمنصب دون هضم لحقوق الآخرين أو ظلم، وذلك عند مراعاة الله سبحانه وتعالى واعطاء كل ذي حق حقه وفقاً لما يستحق لا أكثر.

  • مرض الانتهازية (Opportunism ) :

     وهو انتهز الفرصة في إدارتك أو فريقك أو قسمك بشكل يفتقر للذوق الأخلاقي، و كن محتالاً أو عديم الضمير و الأخلاق ، فهي في نظر الانتهازيون مهارة؛ لأن المصاب بهذا المرض لديه اضطراب بالمفاهيم  فالخبث دهاء ! والالتزام تعقيد ! والصدق سذاجة ! والباطل حق ... وهلم جراً.

   وهذا المرض خطير قد ينمو مع الشخص منذ طفولته ويرى أن اللوائح والأنظمة في بيئة العمل وضعت للتقييد. وأنه لا بد أن يحتال عليها وكثيراً ما ينتهكها للمنفعة الذاتية..

 يُجيد الضجيج دون اي إنجاز أو إنتاج، ويعتمد على جهود الاخرين ويسرقها دون حياء، وكل تركيزه على ما له مردود إعلامي ليضخّم ما يعده إنجازا له !.

   وهذا المرض ينتشر سريعا الى أن يستفحل وتتزايد ضحاياه، لكن لبيئة العمل دور في استئصاله أو تكريسه بناءً على جودة البيئة، فانتهاز الفرص ليس بهذا الشكل وفي نفس الوقت ليس المراد تضييع الفرص التي قد تسنح للموظف بالترقية أو التقدم بالعمل لأنها لا تصبح فرصة إذا كان بها إضراراً بالآخرين أو تفريط بالمصالح العليا أو الاهداف السامية.

  • التعسف (Abuse of power) :

هو سلوك يُسيء به الموظف استخدام السلطة والصلاحيات الممنوحة له، سواء ضمن الحدود النظامية أو حتى خارج نطاق تلك الحدود، دون اي مبرر منطقي أو قانوني.

    وتكمن هنا خطورة هذا المرض في صعوبة إثباته قانونياً، وتعود أسبابه الى مسائل نفسية متعلقة بشخصية المدير أو صاحب الصلاحية، حيث إنه يقوم بإصدار قرارات حسب نزعاته وحالته المزاجية والتي لا تصب في مصلحة العمل أو الموظف أو حتى في خدمة الوطن.

 ومن أعراض هذا المرض أيضاً انعدام النزاهة والشفافية، مما يؤدي ذلك إلى تشوه في الجسد الإداري فيتحول الموظف المبدع الى موظف محبط ومقيد، ناهيك عن أثر ذلك على الفرد والمجتمع.

   وفي دراسة حديثة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن الاضطرابات النفسية تكلف الاقتصاد العالمي 1  تريليون دولار أمريكي سنوياً من حيث فقدان الانتاجية، كما انها مرتبطة بالمشاكل النفسية و البدنية على حد سواء والتي ينجم عنها انخفاض الانتاجية و زيادة نسبة دوران الموظفين و الاثر السلبي على التفاعلات العائلية و الاجتماعية، اضافة الى تدني تنمية وتطور المجتمعات.

   من هنا يتبين لنا وجوب الحذر والاستشعار بأهمية الوقاية من هذه الأمراض لتقليل خطر انتشار فيروسات تدمر المجتمعات الوظيفية وتعود بها للوراء في خضم سعيها للنمو وزيادة سرعة عملها.

    فالإصابة ببعض الأمراض الإدارية التي تهاجم الجسد الإداري تؤدي إلى تشوهات وفي بعض الحالات تصل  إلى موت ذلك الكيان ، وإن لجأ بعض المدراء أو أصحاب القرار والصلاحية لاستخدام المسكنات أو حقن التخدير و التي تتمثل بالوعود الكاذبة وأساليب التأثير على العواطف بسبب وضع الموظف المادي أو الاجتماعي أو الصحي ..... الخ إلا أنها مؤقتة وسيعود الألم كما كان أو أشد وطأة!.

   و لو تم التشخيص وفق منظور إداري من قبل أصحاب السلطة و الصلاحية ووضع خطط وقائية وعلاجية و تنفيذها من خلال:

  • عزم راسخ من قبل الجهات الحكومية والخاصة في مكافحة هذه الأمراض، ونشر الوعي بخطورتها.
  • الرقابة الإدارية والمتابعة والتوجيه للكشف عن هذه الأمراض واتخاذ ما يلزم لمكافحتها أو لمنع انتقال العدوى لإدارات أخرى مستقبلاً، ولتحقيق النجاح والاستدامة بطرق صحيحة.
  • ـ البرامج التدريبية والتطويرية التي تسهم في رفع مناعة الإدارة بزراعة العدالة والقيم وتقوية الوازع الديني، والتعامل الأخلاقي .
  • اللجوء إلى التدابير الوقائية الاحترازية وذلك بتجنب التعيينات المبنية على مصالح شخصية وتطبيق مبدأ التعيين على اساس الكفاءات وما يتطلب للمنصب من شهادات وخبرات.

   كل هذا وغيره مما يساعد وبشكل كبير وفعال في علاج هذه الأمراض والتقليل من الأزمات الاقتصادية والوصول الى بيئة عمل صحية وسليمة.

 بقلم أ. خـلـود عـرفـات

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook