الثلاثاء، 07 شوال 1445 ، 16 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

كورونا وتعزيز الصحة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

قبل أن تتساءلوا عن علاقة كورونا بتعزيز الصحة، دعوني أضع بين يديكم مجموعة من الحقائق، قبل الربط بين فيروس كوفيد 19 وبين تعزيز الصحة

  • كورونا المستجد فيروس غير قاتل، وتتغلب عليه المناعة الطبيعية بسهولة كبيرة. وكلما كانت الصحة العامة والمناعة جيدة قلت الأعراض والحاجة للتدخلات العلاجية. ولا يتوفى من مصابي كورونا إلا ما يتراوح حول 5%.
  • يمثل أصحاب الأمراض المزمنة حوالي 99% من وفيات كورونا، وتحديدًا من يعانون من أمراض القلب والسكري والأمراض الصدرية وارتفاع ضغط الدم والسرطان، أما وفياته ممن لا يحمل أمراضًا سابقة فتقدر بحوالي 1% فقط.
  • الإجراءات الوقائية "فقط" (العزل المنزلي والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وغسل اليدين وحماية كبار السن وإغلاق المدارس والجامعات) هي التي أثبتت جدواها في ظل غياب دواء شافي أو لقاح واقي.
  • لقد كان الرهان الكاسب هو التدخل المبكر بتدابير الوقاية. والدول التي تأخرت في الإجراءات الاحترازية عانت كثيرًا حتى لو كانت إمكاناتها الطبية عالية. ولاحظنا أن الدول التي أوغلت في خصخصة القطاع الصحي اثقلت فيها الحالات كاهل المستشفيات إلى أن اضطرت لتفعيل "حالة الطوارئ" و"قانون الدفاع" حتى تتدارك الأوضاع.
اضافة اعلان

وعندما يأتي الحديث عن دروس كورونا وتعزيز الصحة ومشكلات الصحة العامة والأمراض المزمنة، فيمكننا أن نستنتج ما يلي:

  • لم يكن النظام الصحي في العديد من الدول مستعدًا وقائيًا لجائحة ذات بعدٍ سلوكي وبحجم كورونا، وأخذت بعض الدول وقتا طويلا وأزهقت أرواح قبل أن يتغير الوعي والسلوك. وكان تعديل وضبط السلوك هو أصعب رقم في المعادلة.
  • كان مصدر القلق الأخطر ولا يزال، هو تفشي كورونا في مجتمع تنتشر فيه الأمراض المزمنة بحكم تقدم أعمار السكان كما في "القارة العجوز" أوروبا، او مجتمع تنتشر فيه الأمراض المزمنة وتصيب السكان في سن مبكرة. ونسبة الأمراض المزمنة لدينا وللأسف مرتفعة وآخذةٌ في الازدياد، وتسارع معدلاتها الحالية قد يصل بنسبة السكري (على سبيل المثال) في السعودية إلى حوالي 50% عام 2030م.
  • لقد تعدت كلفة أزمة كورونا المصروفات الصحية إلى التأثير على عجلة الإنتاج والاقتصاد والحياة الاجتماعية وغيرها من مناحي الحياة. وكذلك الحال، فإن انتشار الأمراض المزمنة ذا عبء كبير وأبعاد متشعبة.
  • إن تسارع التطور الطبي الذي قادته صناعات الأدوية والأجهزة وأنظمة التشغيل والتأمين، لم يخدم كثيرًا في الوقاية من كارثة ذات بعدٍ سلوكي مثل كورونا، بل خدم الأمم التماسك الداخلي والبنية الإدارية، والوعي والسلوك الاجتماعي والالتزام الفردي. وهذا أيضا ديدن تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض المزمنة.
  • في تجربة المملكة، رأينا كيف كان لتكاتف الجهود الحكومية وتعاون القطاع الخيري والخاص والمجتمع دور كبير في إبطاء انتشار الوباء مقارنة بدول اعتبرت الوباء في بادئ الأمر أمرًا طبيًا ويكفي أن تتعامل معه المستشفيات. وكذلك هي جهود تعزيز الصحة وتقليص الأمراض المزمنة، تحتاج تكاتف الجهود، بل قد يأتي أقوى عوامل نجاحها من خارج القطاع الصحي.
  • لقد ظهر تباين الدول في التعامل مع كورونا معبرًا عن البعد الوطني والإمكانات المحلية أكثر من التوجهات أو المعونات أو المشورة العالمية. وهكذا يجب أن يكون تعزيز الصحة ومكافحة الأمراض المزمنة بلمسات محلية.

إن لي أن أستنتج أن لجائحة كورونا محاسن، يمكن أن تصلح ما أفسده الدهر وتغير ما تعودنا فعله تقليديا بشأن صحتنا. فقد أدى انشغال النظام الصحي بالعلاج (وإطفاء الحرائق) عن التخطيط لرفع الوعي وتغيير السلوك، وخفض مؤشرات الأمراض المزمنة، وإلى الانشغال عن الوقاية وتطبيق مفاهيمها ومقتضياتها على أسس علمية.

إذا كانت توجهات تعزيز الصحة تحتمل التأجيل وبذل الحد الأدنى بين الأولويات الأقل إلحاحا، فإن تجربة كورونا، وارتفاع الفاتورة الصحية للأمراض المزمنة وما ثبت من أفضل الممارسات من أن الوقاية منها ممكنة ومؤثرة... كل ذلك وغيره يجب أن يدفعنا للاهتمام بتعزيز الصحة، فمعركتنا مع الأمراض المزمنة مصيرية ولا تقبل الهزيمة ولا التأجيل والانتظار إلى أن يأتي كورونا أخرى (لا قدر الله).

إذا استمر تناولنا التقليدي للأمراض المزمنة، واستوردنا حلول اللجوء الفوري للأدوية والتدخلات العلاجية، متناسين منشأها السلوكي فهذا طريق جربناه لعشرات السنين، ونتج معه تزايد نسب الإصابات الجديدة كما يحدث في كورونا.

ولو وجدنا العذر للعاملين في الميدان الطبي في ضعف التركيز على الوقاية، فلا نجد عذرا للمخططين وصناع القرار والسياسات الصحية. فالأمراض المزمنة لدينا تأخذ منحى صاروخيا. ولم ولن ننجح في ملاحقة تعقيداتها بتوجهات علاجية فقط.

وحقيقة، ليس أمامنا "شيك على بياض" للصرف على الخدمات الطبية، بل أمامنا رؤية 2030 تطالب بتطوير أداء القطاع الحكومي ليصل لأفضل النتائج وبأقل الموارد. رؤية تركز على تحسين جودة الحياة والمؤشرات الصحية وتقلل الاعتماد على المستشفيات، وتتحول لخدمات صحية أولية تفعل تعزيز الصحة والوقاية.

وفِيما يلي نماذج في هذا الاتجاه قدمها مركز خاص بكوادر وإمكانات معدودة، وقدمّ مبادرات احترافية في تعزيز الصحة بجهود ذاتية وبالشراكة مع العديد من القطاعات الحكومية والمسؤولية الاجتماعية.

  1. أعدَّ وترجمَّ مركز تعزيز الصحة حوالي 200 مقال في مختلف مجالات التوعية الصحية وتعزيز الصحة. كما وثَّق ونشر حوالي 70 من القصص التي تغلبت فيها التوعية بثقافة المشي وتعديل السلوك والنمط المعيشي على العديد من الأمراض المزمنة. وكان التغيير في كل قصة يستغرق ما بين عدة أشهر إلى سنتين، توقفت بعدها الحاجة إلى الأدوية، وذلك تحت إشراف طبي.
  1. أعدَّ المركز العديد من المحتويات التوعوية بالنشاط البدني والمشي، وتعزيز الصحة الشخصية، وترجم فيلمًا مدته 23 ساعة ونصف الساعة في اليوتيوب الذي تجاوزت مشاهداته 10 ملايين مشاهدة.
  1. قدم المركز مئات المحاضرات والدورات وأنشطة التدريب حول تعزيز الصحة المدرسية والجامعية والصحة في بيئات العمل وأسس ثقافة النشاط البدني والمشي ونشر مفاهيم وممارسات تعزيز الصحة والنمط المعيشي ومكافحة الأمراض المزمنة.
  1. تواصل المركز مع أمناء المدن ورؤساء البلديات وأهدى الكتب التي ينشرها عن ثقافة المشي، وعرض التعاون في جهود إنشاء وتنشيط المضامير، وأنسنة المدن وجعلها صديقة للمشاة تؤمن سلامة المشاة وتضمن حقوقهم.
  1. النشاط الدؤوب منذ 2011 فِي شبكة من حسابات التواصل الاجتماعي يبلغ مجموع متابعيها حوالي 250 ألف متابع، انحصرت حول #تعزيز_الصحة و#المشي_للصحة ومكافحة #الأمراض_المزمنة و #الصحة_المدرسية
  1. ابتكار ودعم ونشر #ثقافة_المشي من خلال #مجموعات-_المشي (#مشاة_الرياض و #مجموعات_المشي التي تضم حتى الآن حوالي 120 مجموعة في مختلف مناطق المملكة ضمن مبادرة #مشاة_السعودية ومبادرة #أحياونا_تمشي)
  1. الاهتمام برياضة #الهايكنج (المشي في الطبيعة، والمشي الجبلي) حيث انطلقت أول رحلات #الهايكنج داخل المملكة بشكل مؤسسي من مركز تعزيز الصحة بداية 2014 واستقلت لاحقا في #دروب_العرب ونفذت حوالي 180 رحلة هايكنج داخل وخارج المملكة. كما دعم المركز تأسيس عشرات المجموعات التطوعية في #الهايكنج ومشي المسافات الطويلة ميدانيا وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
  1. في مجال الاستشارات والشراكات العلمية، تعاون المركز مع المعهد العربي لتنمية المدن في إعداد الجدول العلمي لمؤتمر "السير والتجول في المدن والمحافظة على البيئة" بأغادير بالمغرب، أبريل 2011م. كما نفذ عملا استشاريا لمبادرة وزارة الصحة #امش30 في عامها الثاني شمل الاستشارة وتفعيل العلاقات ومراجعة المحتوى التوعوي والمشاركة الميدانية.
  1. أطلق المركز مبادرة #المشي_صحة برعاية المؤسسة العامة للتقاعد في ست من مناطق ومحافظات، شملت إعداد ونشر المحتوى التوعوي والتغطية الاعلامية. وهدفت المبادرة لإدخال المشي في حياة المتقاعدين لتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض المزمنة.

10.أجرى المركز عدة أبحاث عن المشي وأثر مجموعات المشي على الانتظام، وعلى تحسين الصحة والأثر الاقتصادي لمجموعات المشي على تقليص مصروفات الأمراض المزمنة بين المشاركين.

لقد أسهمت هذه الأنشطة وغيرها في تغيير التصورات المجتمعية عن الصحة والمرض، والنظرة التقليدية لمحددات الصحة ومكافحة الأمراض المزمنة. ولو طورت مثل هذه النماذج ضمن إطار أوسع، وبشكل منهجي ومستدام لآتت مردودا كبيرا في وقت قصير نسبيا.

وأنا على يقين من فاعلية جهود تعزيز الصحة في المدارس والجامعات وبيئات العمل وفق أفضل الممارسات العلمية والعالمية، ومن خلال تدريب وتمكين الكوادر والنشطاء والمتطوعين، ومن خلال المبادرات المبنية على البراهين.

كما أوصي بتقوية سياسات تعزيز الصحة القائمة، وإعداد المحتوى والعرض الإبداعي، واستثمار التواصل الاجتماعي، وتفعيل دور الأطباء والكوادر الصحية في العمل الوقائي، ومن خلال تمكين تخصصات وصناعات جديدة تعزز الصحة وتوفر فرص عمل وبمردود مزدوج.

إن تعزيز الصحة والتدخل المبكر بالوقاية ليس فقط خير (بل أرخص) من العلاج، وأولوياتنا الصحية بعد كورونا يجب أن تتغير عما كانت عليه قبل كورونا.

ودمتم سالمين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 د. صالح بن سعد الأنصاري

@Salihalansari

الأستاذ المساعد في طب الأسرة والمجتمع

 

مؤسس ومشرف مركز تعزيز الصحة

@SaudiHPC

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook