الثلاثاء، 09 رمضان 1445 ، 19 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الطوفان القادم 19

تنزيل
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

ملحوظات :

تتم منشنة الكاتب @Abdulazizm_40

اضافة اعلان

تاريخ النشر : الجمعة 22 نوفمبر 2019م

النص في العنوان:

ومن الشبه التي يثيرها الملاحدة قولهم: إن الإسلام يعارض قواعد العقل والمنطق ويصادمهما. وهذا هو المحور الثالث.

نقول: ما قلنا سابقا في المقال السابق: لم تبينوا لنا العقل الذي تقصدون و تريدون، و إذا حددتم لنا العقل الذي يُقدم على الدين، طالبناكم ببيان قواعد العقل و المنطق، لأنكم إن لم تحددوا لنا العقل المقصود، فهذا يعني أن قواعدكم غير صحيحة، و إن حددتم لنا عقلاً معيناً، فمن الذي اختاره، و من الذي جعله حكماً له القول الفصل؟، و هل له معارض يعارض حكمه أم لا؟، و من الذي وضع هذه القواعد العقلية المنطقية؟، و من الذي يُقَيمُ نتيجة ما وصل له العقل؟ لأنكم لا تنكرون أن العقول متفاوتة في نهاية الأمر، وهذا مشاهد حتى عند الجهلة.

ثم إن القواعد تختلف من علم إلى علم، فلا يمكن مثلاً أن تلعب الشطرنج بقواعد كرة القدم، أو كرة اليد. وكذلك لا يمكننا تطبيق قواعد البحث في العلوم التجريبية التي عمادها الحواس كالكيمياء والفيزياء والطب، على العلوم الإنسانية كالفلسفة والمنطق والأخلاق.

كذلك لا يمكن دراسة المفاهيم والأحكام الدينية بمقاييس المفاهيم العلمية.

ثم ما هي الأمور التي تصادم العقل والمنطق وقواعدهما؟ هل تريدون بذلك الإيمان بوجود إله خالق مدبر؟، إن كان الإيمان بوجود إله خالق خلاف قواعد عقولكم و منطقكم لأنه لا يُرى و لا يُشاهد، فلا تؤمنوا إذاً بأن لكم أرواحاً في أجسادكم؛ لأنها غير مشاهدَة، و لا تؤمنوا بوجود الكهرباء؛ لأنها غير مشاهدَة، و ما ترون من إضاءات و أنوار فهي آثار للكهرباء و ليست الكهرباء ذاتها .

كذلك لا تؤمنوا بالموت ؛ لأن حقيقته و كنهه مجهول لا تعيه العقول ، العقول تحكم أن هذا الجسد ميت لأنه تعطل عن الحركة و النفس و توقفت أجهزته ، لكن كيفية الموت و آليته و حقيقته ، هذه أمور مجهولة لا يعيها العقل .

ثم أنتم تعترفون أن العلم مختص بما يُشاهد و يُحس ، فإذا أنكرتم ما سلف ناقضتم أنفسكم ، إذ كيف تنكرون شيئاً لم تصل إليه علومكم ، مع أن ما مضى ذكره تؤمنون بآثاره .

المحور الرابع : قولكم : إن الحقيقة الصحيحة هي التي يصل إليها العقل وليست التي جاءت عن طريق النصوص الدينية .

فنقول ما قلنا سابقاً : و نقول أيضاً : لو سلمنا بقولكم هذا في الأمور المحسوسة و المشاهدة ، فلن نسلم لكم قطعاً بهذا في الأمور الغيبية الخفية عن العقول جميعاً .

ثم نحن نشاهد خلاف العلماء و هم ذوو عقول و عبقرية فذة ، فكل نظرية ينقضها عالم آخر ، و كل قاعدة عقلية يهدمها عالم آخر ، فنظرية التطور و الارتقاء ، هناك من آمن و سلم بها ، وهناك من نقضها و استهجنها و سخر منها .

فأي عقل سنسلم بحكمه إذا كانت العقول متفاوتة في الأحكام و الآراء ؟! .

ليس أمام العقل إلا أن يسلك مجاله الطبيعي ، و أن لا يدخل في مجالات ليست من اختصاصه  و لا تخضع لقدراته .

و العلوم التي ترد إلى العقل يختلف حكمه عليها على حسب المعلومة التي وصلت إليه ، و من ذلك  :

1 – العلوم الضرورية : و هي التي لا شك فيها  و لا ريب ، و جميع العقلاء يقرون بها ، بل لا تنفك عنهم كعلم الإنسان بوجوده ، و أن الاثنين أكثر من الواحد ، و أن النار محرقة ، و الثلج بارد ، و السماء فوق ، والأرض تحتنا ، و غير ذلك .

2- العلوم النظرية : و هي التي تُكْتَسب بالنظر و الاستدلال ، و البحث عن وجه الصواب فيها ، كالطبيعيات و الطب و الصناعات ، فالعقل له مجاله الرحب في معرفتها و إدراك خفاياها و التوسع فيها .

و هذه النظريات العلمية على الرغم من أنها تقوم على دراسات طويلة المدى ، إلا أن ثم خلاف على نتائجها ، بل قد يكتشف عالم أمراً ما ، ثم ما يلبث بعد مدة أن يتراجع عن رأيه و يقرر خلافه ؛ لأنه اكتشف خطأ ما اكتشافه السابق .

3- العلوم الغيبية : و هذه خارج نطاق العقول ، لا يستطيع العقل أن يحكم فيها فلابد له من طريق آخر للعلم ، كالعلم بيوم القيامة ، و ما يكون في غدٍ ، و علمه بكيفية الموت و غير ذلك .

قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فلو قيل بتقديم العقل على الشرع ، و ليست العقول شيئاً واحداً بيناً بنفسه ، و لا عليه دليل معلوم للناس ، بل فيها هذا الاختلاف و الاضطراب ، لوجب أن يحال الناس على شئ لا سبيل إلى ثبوته و معرفته ، ولا اتفاق للناس عليه .

و أما الشرع فهو في نفسه قول الصادق ، و هذه صفة لازمة له ، لا تختلف باختلاف أحوال الناس ، و العلم بذلك ممكن ، ورد الناس إليه ممكن ... إذ لا يمكن الحكم بين الناس في موارد النزاع و الاختلاف على الإطلاق إلا بكتاب منزل من السماء ، و لا ريب أن بعض الناس قد يعلم بعقله مالا يعلمه غيره ، و إن لم يمكنه بيان ذلك لغيره  ، و لكن ما عُلم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة ، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط " .

وقال رحمه الله : " قد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه ، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يُعلم بالعقل بطلانها ، بل يُعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع ... و وجدت ما يُعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط ، بل السمع الذي يقال : إنه يخالفه إما حديث موضوع ، أو دلالة ضعيفة ، فلا يصلح أن يكون دليلا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح ، فكيف إذا خالفه صريح المعقول " .

و للحديث بقية .

عبدالعزيز السريهيد

ردإعادة توجيه
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook