الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الطوفان القادم (11)

تنزيل (1)
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

مازال الحديث عن قضية تعارض العلم مع الدين، وتوقفنا في المقال السابق عند المحور الثاني من محاور الجواب عن شبهة التعارض بين العلم والدين؛ وهو النظر في النصوص الشرعية نظرة الباحث عن الحق.

اضافة اعلان

وينبغي أن ننبه إلى أن طبيعة الدين النصراني المحرف والدين الإسلامي تختلف؛ فإن طبيعة الدين النصراني لا تتسامح مع العلم، وتعوق تقدمه، وسبقت الإشارة إلى سبب ذلك.

لذا نجد أن العلم والمدنية لم تتقدم في الدول النصرانية إلا بعد أن تركوا التقيد بهذا الدين المحرف. وساعدهم في ذلك تأثرهم ببعض مبادئ الإسلام، والاستفادة من علوم المسلمين.

أما طبيعة الدين الإسلامي فهي طبيعة لا تعيق العلم النافع، بل تتسامح معه، وتدفع إليه، وتحث عليه.

فإن قال قائل: لماذا تأخر المسلمون؟

نقول: لأنهم تركوا التمسك بتعاليم الإسلام، التمسك الصحيح، وتركوا مجالات العلم والبحث العلمي الذي حث عليه الإسلام.

إن الخلل الكامن في هذه الشبهة هو التعميم على كل الأديان، ومن ضمنها الإسلام، فقد جعلوا من عنف الكنيسة وشراستها مقياساً لكل الأديان، وهذا خلل كبير وخطأ فاحش تكذبه نصوص الشريعة الإسلامية وتاريخ الأمة الإسلامية.

إن الصراع الذي حصل بين الكنيسة والعلم له أسباب دعت إليه، وهذه الأسباب تتنافى مع الدين الإسلامي. فدين الإسلام دين غير محرف، ونصوصه لم تمنع البحث العلمي النافع ولا النظر والتأمل، ولم تعطل العقل، ولم تجعل المسلمين عمياناً أو قطيع غنم يقاد دون وعي وإدراك.

بل إن أول آية نزلت في القرآن الكريم كان محورها العلم والقراءة: ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم. عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم}. هذه الآيات تبين أن هذا الدين أساسه العلم، بل جاءت آيات حثت على البحث العلمي القائم على التأمل في هذا الكون الدال على وجود الخالق، قال سبحانه: ﴿قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِير﴾.

 وقال سبحانه: ﴿قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي ٱلۡأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡم لَّا يُؤۡمِنُونَ﴾.

فالله يدعو إلى النظر والبحث في ملكوت السموات؛ لأن فيها ما يدل على وجود الخالق سبحانه.

فالإسلام خالف دين النصارى المحرف في أنه قام على أسس علمية، وحث على البحث العلمي، ولم يحجر على العقول، ولم يجعل محاكم تفتيش للعلماء لقتلهم وتعذيبهم.

وقد جعل الله للعلماء مكانة عظيمة، وأشهدهم على أعظم مشهود؛ وهو وحدانيته عز وجل، وقرن شهادتهم بشهادته، قال سبحانه: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾.

فهذا غاية التكريم لهم ومزية وخصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام.

فالنصوص الشرعية الإسلامية لم تقف أمام العلم، ولم تلغِ العقل السليم، بل حثت على إعمال العقل والتفكر والتأمل في الكون الموصل إلى العلم، وهذا مغاير لما كانت عليه الكنيسة التي عطلت العقول خشية افتضاح أمرها، وهشاشة معتقدها، خلاف الإسلام الذي فتح المجال للعلم والعقول، ولو كان العلم والعقل السليم سيوصل إلى حقائق لا يوافق عليها الدين لما دعا إلى التأمل والتفكر في ملكوت الله الفسيح.

لقد أرشد الله إلى التأمل في الآفاق وما فيها من آيات مشاهدة من خلق السموات، وما فيها من كواكب وأفلاك، والتأمل في الأرض وما فيها.

هذه الأمور سيكتشف حقيقتها العقل إذا كان سليماً طالباً للحق.

ومن نظر في قضية الاجتهاد في مسائل الدين واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة، وجد أن الإسلام لم يعطل العقل، ولم يحارب العلم. فإذا اجتمع في رجل علم متين، وعقل ثاقب، واجتهد في أمور الدين وفق القواعد والضوابط الشرعية واستنبط الحكم فلا إثم عليه شرعاً، قال تعالى: ﴿وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ﴾.

والعلم في الإسلام له قيمة عظيمة، فقد فرق بين مقام العلم ومقام الجهل، وبيَّن أن للعلم فضلاً على الجهل قال سبحانه: ﴿قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾.

ولم يأمر الله رسوله ﷺ بالتزود من شيء من الدنيا إلا بالتزود بالعلم النافع: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡماً﴾.

ورفع الله أهل العلم درجات عالية: ﴿يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰت. وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِير﴾.

وأما أقوال الرسول ﷺ الحاثة على طلب العلم فكثيرة، منها: (من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة).

أما علماء الإسلام فقد أفتوا بطلب العلم الشرعي وغير الشرعي إذا كان نافعاً للإنسان، يقول الإمام الشافعي: (العلم علمان: علم الأبدان، وعلم الأديان. وقال: علم الأبدان علم الطب، وعلم الأديان علم الفقه).

فلم يقتصر حث علماء الإسلام على تعلم العلم الشرعي فحسب، بل تعداه إلى علوم الدنيا النافعة، وهذا رأي علماء السلف والخلف، يقول الشيخ عبدالعزيز الراجحي: (وتعلم علم الطب والصيدلة، والهندسة هذا فيه خير إذا حسنت نيته يؤجر، يؤجر على هذا إذا نوى أن ينفع الإسلام والمسلمين هذا فيه خير).

ما ذكرته آنفاً من هذه النصوص فيه الدلالة على البون الشاسع بين النصرانية المحرفة والإسلام الذي لم يحارب العلوم النافعة، ولم يحجر على العقول السليمة، وفيه دليل على أن الإسلام دين قام على أسس علمية، لا على خرافة وأساطير بالية.

وللحديث بقية.

عبدالعزيز السريهيد 
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook