السبت، 11 شوال 1445 ، 20 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا

تنزيل
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

- ما هو (الكوز) يا معلمة؟

- إنه إناء من الفخار.

اضافة اعلان

- وماذا عن (مجخياً)؟

- أي منكوس.

- وماذا يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا التشبيه؟

- يقصد أن يكون قلب لا يعرف الصواب ولا ينكر الخطأ.

- لكن يا معلمة، هل يوجد قلب لا يميل للحق ويحب المنكر؟ يستحيل وجوده؟

- يوجد يا صغيراتي، يوجد، للأسف أنه يوجد.

لا زلت أتذكر هذا الحوار الطفولي المحتدم بيننا وبين معلمتنا التي أرادت أن تشرح لنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».

القلب الأبيض كلنا نتمناه، لكن الأسود كثير منا لا يعرف بواقعية وجوده وإن آمن بها نظرياً، فتجده في النقاشات يتحدث عن فضيلة حسن الظن فهو يميل بشكل لا واعٍ إلى أن وجودهم من الاستحالة بمكان ولا يريد أن يصدق احتمالية وجود هؤلاء في عالمه فضلاً عن محيطه.

حال الغالب هو ذاته حالنا حينما خضنا نقاشنا الطفولي مع معلمتنا لإقناعها ولم نفهم الألم المتجلي في عينيها وهي تحاول أن تثبت لنا فرضية وجود هؤلاء المرضى ممن نشأ في السواد حتى ألفوه، فأصبح البياض بمثابة إعلان حرب ضدهم، فتجدهم لا يسكنون ولا يقر لهم بال حتى ينالوا من بياض غريمهم ويدنسوه، تارة بالكيد له وأخرى بإغوائه، ليزداد أمثالهم ويتكاثر أجناسهم.

هذه الكائنات المترعة بالسواد كشفت الشبكات الاجتماعية عن صدقية وجودهم، تتابع أحدهم فتفزع حينما تجده مدعي (ضد كل خير) ومحامي (عن كل شر)، تظن بداية أنه يفعل ذلك للفت الأنظار لكنك مع بعض القراءة المتعمقة تجعله يتعامل مع هذا الانتكاس بامتنان، حتى أنه يشعر أن انتكاسه فضيلة مغمورة يجب أن تظهر وتعمم لينتفع الناس بها!

ويبدأ في إطلاق المسميات البراقة على هذه الظلمات المعرفية والخلقية والسلوكية، فتارة تنوير وأخرى تطوير وثالثة تغيير والحقيقة أنها تدمير وتكسير، تدمير للنفس البشرية وتكسير لكل ثوابتها ومبادئها.

ومن مشكلة عدم التصديق بواقعية وجود هؤلاء إلى من آمنوا بذلك من الأنقياء وتابعوا تلك الحسابات التي تعد قمة القاع، فإذا سألته لماذا تتابعهم قال لأعرف الباطل، والحقيقة أني أجزم أن أغلب من يرد بمثل ذلك لا يعرف من الحق ما يكفي ولا يملك من العلم ما يعصم، حتى يتحول من حيث لا يعلم إلى إسفنجة تمتص كل تلك الأرتال من السواد حتى إذا ما نالهم من كدر الدنيا شيء فاض السواد ودنس بياضهم بما يصعب تطهيره وتطول استعادته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[email protected]

 Twit: @hindamer

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook