الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

كيف أغرس القيم الحسنة في طفلي؟ (1-2)

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

أهمية غرس القيم

عملية غرس القيم في الطفل تشبه عملية الزراعة تماماً، فالمزارع الماهر يعتني بجودة البذرة (القيمة الحسنة)، والأرض الخصبة الطيبة (الطفل الذي تغرس فيه القيمة)، ثم يتحيَّن الموسم المناسب لغرس البذرة (مناسبة سن الطفل للقيمة المراد غرسها فيه)، كما أن خبرة الفلاح وحذقه في الزرع (مهارة المربي وخبرته) لها أثرها في الحرث والزرع، وتجعله يحرص على استخدام آلات زراعية حديثة ومناسبة (الوسائل الحديثة لغرس القيمة الحسنة في الطفل). وإذا وجدت الأرض الطيبة الخصبة، ثم تركت وأهملت في موسم الزرع، فإن الرياح والعواصف ستثير بذور الأشجار المجاورة، وربما الضارة أو التي لا فائدة منها فتنثرها في تلك الأرض الطيبة، ويصبح من العسير على الفلاح تنقيتها وحرثها من جديد. كذلك الطفل منذ نعومة أظفاره إذا لم يجد مربياً حصيفاً يغرس فيه قيماً إيجابية وحسنة، ويستخدم معه أرقى الأساليب والوسائل؛ لغرسها في الوقت المناسب الذي يكون فيه الطفل على استعدادٍ تام لتقبلها، تنازعته الأهواء واحتوشته الفتن، وقضى عليه الفراغ، وقرناء السوء. الفرق بين تعليم القيم وغرس القيم تعليم القيم هو تحويل القيم إلى معلومات ومعارف، وتلقينها للطفل، أما عملية غرس القيم فإنها تتجاوز مرحلة نقل المعلومة إلى مخاطبة الجانب الوجداني، ثم نقل هذه القيمة إلى الجانب السلوكي، كما أن عملية الغرس تتطلب جهداً ووقتاً أطول. وتأكيداً لهذا المعنى قامت (منظمة اليونسكو) بوضع برنامج تربوي خاص بالقيم، بالتعاون مع "اليونيسيف"، حيث وضع البرنامج أنشطة متعددة تتجاوز مرحلة تعليم القيم إلى غرسها، وسيأتي معنا مثال تطبيقي للبرنامج في المقال القادم، إن شاء الله. مقومات المربي (غارس القيم) هناك أمور لابد أن يتحلى بها المربي؛ لأنها من المقومات الأساسية لغرس القيم الحسنة والإيجابية في الطفل، ومنها: الاحتواء العاطفي وإزالة الحواجز: وذلك بكسب محبة الطفل، والولوج إلى قلبه وتقبله (كما هو) ومدحه، وتشجيعه، والاستماع إليه، واحترامه، وتلبية حاجاته النفسية والجسدية، ومشاركته اهتماماته، والوقوف معه على أرضية مشتركة. وهذا ما كان يحدث للصحابة مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كانوا إذا رأوه فتحوا له قلوبهم، وأصغوا إليه بأسماعهم. التحلي بالصبر وطول النفس: غرس القيمة أشبه ببناء المنزل الذي لا يقوم بين عشيةٍ وضحاها، بل لا بد من بناءِ أساسٍ له، وتشييده لبنةً لبنة حتى يكتمل، ولا بد قبل ذلك من التخطيط لهذا البناء، ولا بد من بذل الجهود المتضافرة لتحقيق هذا الهدف. وأحيناً تجتهد مع طفل في غرس قيمة معينة، وبعد أن تظن أنه تمثلها تكتشف أن هناك خروقات في تمثله لتلك القيمة، أو أن هناك قيمة أخرى بحاجة لإعادة صياغة وتأكيد، وهذا ما حدث مع الصحابي الجليل، أبي ذر (رضي الله عنه) قال: إني سَابَبْتُ رَجُلا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا ذرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ). [رواه البخاري]. يقول: ابن حجر رحمه الله: (مع أن منزلة أبي ذر رضي الله عنه من الإيمان في الذروة العالية) [فتح الباري: 1/182]. اختيار الوقت المناسب لغرس القيمة الحسنة: ينبغي أن يكون المربي على دراية تامة بالوقت المناسب لغرس القيمة الحسنة، وإزالة القيمة السيئة ورواسبها من طفله، ولعل مرحلة الطفولة المبكرة (من 3-5) والمتأخرة (من 6-10) هي أفضل المراحل لغرس القيم الحسنة والإيجابية، وكذلك التخلص من القيم السيئة، ولكن ينبغي التفطّن إلى التدرج في غرس القيم، وأن هناك قيماً وآداباً يسهل استيعابها على الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، مثل: الأذكار، والنظام، بينما هناك قيم يصعب غرسها في الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة مثل: الإيثار، والإخلاص، والصدق. مثال يوضح عدم مناسبة التركيز على قيمة الصدق في الطفولة المبكرة: لو أن الطفل بدأ يتحدث مع أمه، ويصف أشياء لم تقع، ويذكر خيالات غير واقعية من عفو خاطره. السؤال: هل يُعدّ هذا الطفل كاذباً؟ بالتأكيد.. لا! ولو أراد المربي علاج سلوك الكذب لدى الطفل في تلك المرحلة، واستخدم معه الحزم والشدة لوقع ربما في خطأين: 1- تأصيل صفة الكذب في الطفل، ولفت نظره إليه. 2- تحجيم خيال الطفل، وتضييق أفقه. وكذلك على المربي مراعاة الأسلوب والوسيلة المناسبة لِسِنّ وجنس الطفل أثناء غرس القيم، فالحوار مع الطفل - مثلاً - لن يكون كالحوار مع المراهق، وأسلوب القصة يتغير مع اختلاف السنّ، كما أن تربية الأبناء تختلف عن تربية البنات. فطنة المربي: وهنا يأتي أثر المربي الفطن الذي يشخص الخلل، ويصف الدواء، لا لعلاج الظاهر فحسب، بل لعلاج الظاهر والباطن. وقد تفطن النبي (صلى الله عليه وسلم) لبقاء شيء من قيم الجاهلية، فنبّه عليه: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ)، (يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ).. وهكذا. وكذلك ينبغي تفطن المربي لاستغلال الأحداث العابرة في غرس القيم الحسنة؛ لأن الحدث بمثابة صدمة تهز النفوس، وتحرك المشاعر، وتجعلها قابلة للتلقي. عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رضي الله عنه) أَنَّهُ قَالَ: قدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيّاً فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟) قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا) [رواه مسلم]. فانظر كيف اهتبل النبي (صلى الله عليه وسلم) هذه الحادثة، مؤكداً لأصحابه هذه القيمة العظيمة - قيمة الرحمة - واصفاً لهم عِظم رحمة الله بعباده، ومحبته لهم. في المقال القادم - إن شاء الله - سنتعرَّف على وسائل وأساليب غرس القيم في الطفل,,

اضافة اعلان

نايف القرشي @naif_odian

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook