الخميس، 09 شوال 1445 ، 18 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

شفرة الكتابة

3_XuhGDZ_400x400
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
      الكثير من الكُتّاب الأفذاذ والحاصلين على جوائز عالمية لا يعرفون كيف كتبوا تلك الأعمال! هذه ليست دعابة بل حقيقة، وإذا راودك شك في ذلك فحاول جهدك أن تقرأ تجاربهم وستجدها ماثلة أمامك في أغلب ردودهم على الأسئلة التي تحاول فهم أسرار نجاحهم، فحينما تجمع الإجابات وتحاول فهمها تجد أنهم مثل تلاميذ في مدارس متعددة ويدرسون مناهج مختلفة وفي النهاية يفوز أحدهم بالمركز الأول، ورغم فرحه واحتفائه بالفوز ومعرفته بتفاصيل ما كتبه، إلا أنه لا يعرف الشفرة التي جعلته يربح وتلك التي جعلت زميله يخسر! اضافة اعلان

كل الأسطر المتناقضة السابقة ستبدو منطقية حينما نفكر فيها من جانب آخر؛ إذ إن (امتلاك مَلَكَة الكتابة) من ركائز العبقرية، لكن (تحليل هذا المَلَكَة) وتحويلها إلى مهارات تكتسب وأسرار تتداول يعد نوعاً آخر من العبقرية لا يستطيعه أحد غالباً، حتى الكاتب نفسه.

 القراءة عن عوالم الكتابة وأسرار التأليف تجعل القارئ في حيرة، ومن يتصدى لتعليم الكتابة ويحاول فك شفرتها، لا يخرج عن ثلاث مدارس سأتحدث عنها ببعض الإيجاز وسأترك لك الإبحار في تفاصيلها لتصنع تجربتك الخاصة تصيغ شفرتك التي لن يعرفها أحد مستقبلاً، ربما حتى أنت.

أولى مدارس الكتابة هي مدرسة الإلهام - وهي (التفسير الغيبي) - الذي - رغم أهميته - إلا أنه يكثر فيه الخوض وخلط الأمور حيث يخيل لبعض الكتاب أنهم باتوا أنبياء وأن الإلهام نوع من الوحي، بينما ما هو في حقيقته إلا فكرة تلتمع في الذهن يسبقها استعداد نفسي وعقلي للكتابة فيها، ويرتبط في ثقافتنا الإسلامية بأسباب إيمانية كالتوفيق والبركة والرزق ونحوها.

أما المدرسة الثانية فهي مدرسة القراءة، وهي – التفسير النظري – لكونها مدرسة تؤمن أن العقل مثل الطاحونة التي إن لم تزودها بحبوب معلوماتية ومعرفة لن تطحن، وسيبقى ما يصدر عنها لا يتجاوز كون الهذيان المكرور عديم النفع، ويجب أن نعترف كمسلمين بأن هذه المدرسة هي من أهم المدارس، ليس لأن أول كلمة أنزلت هي (اقرأ) فحسب، بل لأن عدم الاعتراف بها يعني إعادة تدوير الجهل، أو التفكير بما تم التفكير به من قبل وثبت فشله! ومن يعترض على أهمية هذه المدرسة ينطبق عليه ما قاله الكاتب الإنجليزي رديارد كيبلنغ: (إن أمثال هؤلاء يضيعون أوقات أصدقائهم وصبرهم، ويهددون سلامة مجتمعاتهم بما سبق تجربته وثبت فشله، وكان بإمكان هذا أن يتجنب كل ذلك لو كلف نفسه وقرأ!).

وأما المدرسة الثالثة والأخيرة، فهي مدرسة الممارسة – التفسير التطبيقي - وترتبط بالإكثار من الكتابة حيث يرى أنصارها أن الكتابة مثل الرياضة ترتبط بالممارسة المستمرة وكلما توقف الكاتب فقد لياقته الأدبية، وهذه المدرسة تجعل الشخص في طريق ممتع رغم بعض الصعوبات في البداية؛ إذ إنها تكشف له تقنيات وأسرار الكتابة كصنعة، وفوائدها كعادة، وأجمل ما فيها هو أثرها على الكاتب بعد انتهاء النص حيث يتجلى الرضا وتتسيد الراحة، ويغلب شعور الانتصار على الذات بعد رحلة من المحاولات.

ومع قليل من التأمل فيما سبق تجد أن الاكتفاء بمدرسة واحدة سيجعل تجربتك الكتابية خديجة، فالأخذ بأسباب الإلهام وسؤالك الله بأن يفتح لك في الكتابة لثقتك بأن الكتابة رزق والنجاح فيها توفيق سيعينك على الاستمرار، وإذا اقترن الإلهام بقراءة وافية في المجالات التي تتناولها في كتاباتك فستضيف لنجاحك عنصراً آخر يمنحها القوة والتأثير، أما إذا قرنت الإلهام والقراءة بالممارسة وبذل الجهد فأنت في طريقك إلى المجد، وسيأتي اليوم الذي يخلد اسمك فيه في صفحات التاريخ لتعرف الأجيال القادمة أن فلاناً مر من هنا، وترك من البيان ما يعيش في الأذهان عبر الأزمان. 
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook