الخميس، 16 شوال 1445 ، 25 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

نحو رؤية شاملة للإعلام الخيري

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
  يُعرف العمل الخيري بِأَنَّهُ العمل الذي لا ينتظر، نَظَراً لما يحمله من مهام جسام لا تحتمل التأخير؛ فهذه عائلة بحاجة لعون، وذاك طفل يتيم ينتظر من يتبناه ويضمن له الحياة الكريمة، وتلك مِنْطَقَة تنتظر أَنْشِطَة وبرامج تنموية وتوعوية وتثقيفية... إلخ. هذه الخصوصية التي يتمتع بها العمل الخيري قادت إِلَى أن تتكون كثير من الكيانات الخَيْرِيَّة بَعِيداً عن التخطيطات الاستراتيجية والرؤى الشاملة. وكان من الطَبِيعِيّ أن يندرج هذا الأَمْر على الإعلام الخيري الذي مَا زال إِلَى حد كبير بَعِيداً عن أولويات الكيانات الخَيْرِيَّة واهتماماتها. الإِنْسَان ووسائل الإعلام اليوم: إذا عرفنا أن الإِنْسَان اليوم يقضي 70% من وقت يقظته بين وسائل الإعلام المختلفة، وَإِذَا أدركنا قدرة وسائل الإعلام على الاستحواذ على مساحات كبيرة من إدراك الإِنْسَان تصل أَحْيَاناً إِلَى 90% - بِحَسَبِ دراسة قامت بها صَحِيفَة ديلي ميل البريطانية فِي يناير 2017 - وأنها بالتالي تشكِّل وعيه وثقافته وتصرفاته بل ورغباته، وَإِذَا لاحظنا هذا التدفق اللا معقول واللا مُدرَك للمعلومات الذي تصبه وسائل الإعلام بأنواعها اليوم فِي أوعية الإِنْسَان.. إذا وَعَيْنا كل ذلك؛ فإننا سندرك قيمة التفات كيانات العمل الخيري للإعلام، وضرورة تكوين الإعلام الخيري ليكون وسيلة مؤثرة تساند هذه الكيانات وتدعمها بشكل كبير. وبنظرة أكثر عمقاً لوسائل الإعلام الحديثة وطرق عرضها ومحتواها ومضمونها نجد أنها قد حولت الإِنْسَان إِلَى كائن استهلاكي بدرجة كبيرة؛ كائن تدور حياته على رغباته وعلى شهوتَيْ الشراء والتملُّك، وهذه البنية العقلية والثقافية الاستهلاكية تؤثر بكل تأكيد على الفكر الخيري وعقلية البذل والعطاء لدى الإِنْسَان، وهذا مَا يؤكد أن الإعلام الخيري أصبح حتمية لا مناص منها. كيانات العمل الخيري والإعلام لا يمكننا إنكار أن العديد من الكيانات الخَيْرِيَّة قد أدركت أهمية الإعلام، وَلِذَلِكَ أولته اهتماماً وعناية؛ لكن هذا الاهتمام وتلك العناية – حتى الآن - لم يصلا للمستوى المأمول، وما زالت القدرات الإعلامية لهذه الكيانات قاصرة، وما فتئت تُعَانِي من نقص فِي التواصل مع الآخر. ويعود هذا القصور إِلَى أسْبَاب عِدَّة؛ منها أن الإعلام مَا زال يحتل مرتبة متأخرة نسبيّاً فِي فكر هذه الكيانات؛ حيث تُعْتَبَر أن الإنْفَاق على الأَعْمَال الخَيْرِيَّة من أمثال بناء المساجد وتنفيذ البرامج التثقيفية والتنموية والتوعوية أولى من الإنْفَاق على الإعلام، وليت هؤلاء يدركون أن التعامل الصحيح مع وسائل الإعلام هو الطريق الأمثل للتعريف بالكيان، ولتنقيته من أَيْ شوائب قد تطاله، وأنه سيدفع كثيرين من أهل الخير للتواصل معه وإمداده بأضعاف مَا يتم إنْفَاقه فعليّاً على الأَعْمَال الأُخْرَى. ومن أسْبَاب القصور كذلك هو وجود إشكالية فِي توافر الكفاءات القادرة على القيام بهذه المُهِمَّة، ووجود إشكالية أكبر فِي قيام هذه الكيانات ببناء هذه الكفاءات وتكوينها؛ وهذا بالطبع أَدَّى إِلَى ضعف المردود نوعاً وكمّاً وكيفاً. وحين يقودنا الحديث إِلَى الإشارة إِلَى مَا تواجهه الكيانات العاملة فِي المجال الخيري من تحديات جَرَّاء ارْتِفَاع وتيرة ظاهرة الإرْهَاب، وما قد يطال هذه الكيانات الخَيْرِيَّة من ضرر بِسَبَبِ ذلك قد يُؤَدِّي بطريقة مَا إِلَى الحد من نشاطاتها، وتَعْطِيل أَعْمَالها؛ حين يقودنا الحديث إِلَى ذلك نفهم تَمَاماً خطورة مَا عليه العمل الخيري وكياناته. العمل الخيري والإعلام: يمكننا إيجاز علاقة العمل الخيري بالإعلام فِي أربعة أمور: - أن الإسلام هو دينٌ للناس كافة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾ سبأ/ 28، وأن أمة الإسلام هي أمة الخَيْرِيَّة: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ آل عمران/ 104 والبلاغ: ﴿هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ﴾ إبراهيم/ 52؛ وَبِالتَّالِي فأمة الإسلام مطالبة بإِيْصَال كافة أنواع الخير إِلَى العالمين، والإعلام أحد أهم أذرعها لتحقيق ذلك. - أن الإعلام وإن بدا كمصطلح حديث النشأة؛ إِلاّ أَنَّهُ قديم ومتأصل فِي هذه الأمة وليس وليد الحاضر؛ وما فِعْلُ النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوجهه إِلَى القبائل فِي مكة، ثم فِي المَدِينَة تَوْجِيهه الوفود إِلَى البلاد والأمم والقبائل؛ مَا كل ذلك فِي حقيقته إلَّا شكل من أشكال الإعلام، وما كانت هذه الإِرْسَاليات إلَّا لإِيْصَال الخير إِلَى العالمين وإِخْرَاجهم من الظلمات إِلَى النور. - أن العمل الخيري ليس مجرد إِيْصَال معونة لمحتاج وبناء بيت لآخر وما شابه ذلك من أَعْمَال؛ بل هو يتعدى ذلك إِلَى أن يغرس قِيماً فِي نفوس الأمة، ويوجد ثقافة خيِّرة فِي المجتمعات؛ وكي تتحقق هذه الرسالة، ولضمان الوصول إِلَى أكبر شريحة ممكنة، لا مفرَّ من استخدام الإعلام بكافة أشكاله ووسائله. - أن الإعلام الخيري هو وجه من وجوه الإعلام؛ لِذَا هو يحمل مبادئه وقِيمه، ويلتزم بأَخْلَاقيّاته وسلوكياته، وينضبط بضوابطه وقواعده. الإعلام الخيري.. نظرة تقييمية: قلنا فيما سبق أن عَدَداً كبيراً من الكيانات الخَيْرِيَّة غير الربحية قد التفت لأهمية الإعلام ولأثره فِي المجتمعات، ومن المهم أن نشير كذلك إِلَى أن هذه الكيانات الخَيْرِيَّة تختلف فِي أدائها الإعلامي بِحَسَبِ عوامل عِدَّة تحكمها مثل قوة الكيان وضعفه، وكذلك تقدير الكيان لقيمة الإعلام وأهميته، وبِحَسَبِ مستوى الأدوات الإعلامية فِي كل كيان، ولغير ذلك. أما أهم مَا عانته التغطية الإعلامية للعمل الخيري من عيوب ومشكلات فهو التالي: - عدم الالتفات لأهمية الإعلام القصوى بالنسبة للعمل الخيري: وهذا يحمل فِي طياته تفصيلات كثيرة أشرنا إِلَى بعضها فِي هذا المقال. - انْتِشَار فقه "الإخفاء": ربما يكون "الإخفاء" سبب عدم اهتمام كثير من الكيانات الخَيْرِيَّة الإسلامية بإبراز أَعْمَالها ونشاطاتها مستندين فِي ذلك إِلَى مَا ورد عن النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن من السبعة الذين يظلهم الله فِي ظله: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حَتَّى لا تعلم شماله مَا صنعت يمينه" متفق عليه، وما انتبه هؤلاء إِلَى حديث آخر حين قيل لرسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" رواه مسلم، وَهُوَ مَا يدل على أن إِظْهَار الخير ليس أمراً منهيّاً عنه؛ بل هو أمر مرغَّب فيه، بشرط صدق النية والتوجه لله تعالى، ويزداد هذا الترغيب حين يكون حَاثّاً للغير على فعل الخير وحاضّاً على البذل والعطاء. علينا الاهتمام بنياتنا قبل الاهتمام بفقه "الإخفاء"؛ فإذا صلحت صلح العمل كله، وشجَّع الآخرين على الاقتداء بذلك. - افتقاد فلسفة التعامل مع الجمهور المتلقي: وهذا يحمل فِي طياته أمرين: الأول: الاعْتِمَاد بشكل كبير على ثقافة "التسول"، وبالرغم من قسوة هذا اللفظ إِلاّ أَنَّهُ حقيقي للأسف؛ فالرسائل الإعلامية لمعظم الكيانات الخَيْرِيَّة الإسلامية تحمل دَائِماً فِي مضمونها هذه الثقافة، تظهر أَحْيَاناً وتختفي أحايين، لكنها متضمنة فِي هذه الرسائل بشكل كبير. نعم نحتاج لِأنَّ نحث الجمهور على المساهمة؛ لكنْ هناك طرق إعلامية وتسويقية كثيرة يمكننا انتهاجها تبتعد تمام البعد عن "التسول". الثَّانِي: عدم القدرة على فهم عالمية وسائل الإعلام؛ فمع هذا التطور المذهل فِي تكنولوجيا المعلومات، والذي أتاح طرق تواصل واسعة النطاق لا تعترف بحدود أو جغرافيا؛ كان من الضروري على القائمين على الكيانات الخَيْرِيَّة أن يدركوا أن رسائلهم الإعلامية يجب أن تتماشى مع هذا التطور وذلك الاتساع، وأن تتسع هي كذلك لتَشْمَل المساحات الهائلة من المتلقين، وأن تتضمن مَا يفي يإِيْصَال الرسالة الصحيحة لكل المتلقين باختلاف مشاربهم وأجناسهم وأنواعهم، وأن تكون على قدر المَسْؤُولِيَّة لمواجهة هذا الكم الضخم المتدفق من الجهات والهيئات والكيانات الأُخْرَى.. على وسائل الإعلام الخيري أن تخرج من ضيق المحلية إِلَى سعة العالمية. - النمطية: عانت الرسائل الإعلامية الخَيْرِيَّة وما زالت من نمطية العرض، سواء فِي قوالبها أو فِي أشكالها أو فِي صيغاتها؛ فالأمر فِي غالبه لم يتعدَّ خبراً هنا، أو تغطية لفعالية مَا هناك، أو دعوة هنالك، تقليدية فِي الشكل وفي المضمون. هذا الأَسْر الذي وقعت الرسائل الإعلامية الخَيْرِيَّة تحت نيره هو الذي جعل المتلقي يرى أَيْ حدث يقوم به كيان خيري مَا عاديّاً مهما كانت ريادته، وَهُوَ مَا يُؤدِّي إِلَى التعامل معه بنمطية دون حماس أو رغبة فِي التفاعل معه، وهذه النمطية يجب أن تُكسر بالإِبْدَاع والابتكار والتفكير بشكل مختلف. - ضعف الاهتمام التفاعلي: إن التغذية الراجعة أو رجع الصدى "Feedback" التي تأتي من جمهور المتلقين، من أهم المؤشرات التي تدل على مدى صحة التوجهات وجدوى التحركات. ومع انْتِشَار الإِنْتَرْنِت، وخُصُوصاً منصات التواصل الاجْتِمَاعِيّ، أصبحت معرفة ردود الأفعال لحظية وآنية؛ وَبِالتَّالِي يمكن رصد الاتجاهات والميول بكل سهولة. ومع إهمال رجع الصدى، هناك إهمال آخر يتمثل فِي ضعف التفاعل مع الجمهور؛ فمنصات التواصل الاجْتِمَاعِيّ على سَبِيل الْمِثَال أَتَاحَت التواصل مباشرة مع المتلقين؛ لكن معظم الكيانات الخَيْرِيَّة - إلا مَا رحم ربي - تهمل هذا التواصل، ولا تحرص على التفاعل مع الجمهور، وتحقيق طلباته، والرد على أسئلته واستفساراته. نحو رؤية شاملة للإعلام الخيري: بعد أن رفعنا الحَالَة الخَيْرِيَّة الإعلامية التي كَشَفَت أين نقف، نكون قد مهدنا للدعوة إِلَى إيجاد رؤية شاملة للإعلام الخيري، والتي تتمثل فِي البنود التالية: - الانطلاق من الرؤية الحضارية الإسلامية المبنية على تقدير الذات واحترام الآخر. - الوعي بالواقع وتفهم ثقافته وتوجهاته وميوله، وأن يتم استيعاب ذلك حق الاستيعاب. - دراسة أحدث تقنيات تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بهذا المجال، وإحسان استخدام وسائله وأدواته. - إدراك حجم قدراتها الحقيقية، واستدراك جوانب القصور فِي هذه القدرات. - تأسيس الكيان الخاص المبني على وضع مناهج خَاصَّة بالإعلام الخيري، وإيجاد الوسائل والتطبيقات التي يتم من خلالها تنفيذ هذه المناهج، وبناء الكوادر المؤهلة لاستيعاب ذلك كله وتطبيقه على أكمل وجه، مع تفعيل القدرات الذاتية. - بناء الجانب المعرفي عبر توفير بنك للمعلومات يتيح للعاملين فِي المجال الخيري أن يستفيدوا منه فِي تكوين رؤاهم واستراتيجياتهم، وإعداد رسائلهم الإعلامية. - دراسة الرسائل المغرضة المضادة والتي تهدف لهدم الكيان الخيري دراسة عميقة، وفهم منطلقاتها وتوجهاتها وغاياتها، وتجهيز الردود الوافية والمُفحمة لها. - تحقيق مبدأ "التكامل" لا "التنافس" فِي سياق الإعلام الخيري؛ للوصول بالعمل الخيري إِلَى المكانة المرجوة التي تخدم الشعوب فِي البلدان المختلفة. إن تحقيق هذه الرؤية من شأنه أن يؤسس لإعلام خيري ثابت ومستقر، يضع القواعد والركائز، ويبرز الجهد الخيري الكبير الذي يتم تقديمه والإنجازات التي وقعت، ويبني الثقة مع معظم شرائح الجمهور ليخرج من دائرة المشاهد إِلَى أن يصبح شريكاً أصيلاً فِي هذه الإنجازات. الأمر يَحْتَاج إِلَى عمل دؤوب وجهد حثيث؛ يبدأ بإدراك الحاجة للرؤية الشاملة للإعلام الخيري، ثم ينتقل لوضعها وتأسيس استراتيجياتها، ثم العمل على تطبيقها، ومتابعة هذا التنفيذ.. يسبق ذلك كله ويحيطه التوكل على الله تعالى والاستعانة بعونه ومدده جل شأنه. م. رياض بن ناصر الفريجي @riyadhtopmediaاضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook