تواصل - فريق التحرير:

الفراق كله مؤلم، لكن الألم درجات، ومن أصعب أنواع الفراق هو ذاك الذي يبعثر حياتك فجأة، ويختطف منك من تحب دون سابق إنذار، ويتضاعف الألم عندما يكون هذا الفراق بفعل فاعل تشتبه في أنه أسهم في حرمانك من هذا الحبيب، بيد تقتل بشكل متعمد، أو أخرى مهملة، قد تكون غير متعمدة، لكن النتيجة واحدة، فالقتل عمدا كما القتل بالإهمال، يزهق الروح ظلما ويترك الأحبة يتأرجحون بين مطرقة الحزن وسندان المطالبة بعقاب الجناة.

في حالتنا هذه، الجناة يطلق عليهم البعض "ملائكة الرحمة"، لكنهم في أحيان يتحولون إلى أدوات للموت، صحيح أن الأمور كلها تجري بقدر، لكن مسيرها أمر بإتقان العمل، لعدم التسبب في مثل هذه الكوارث.

الزوجة دخلت إلى مستشفى الملك فهد المركزي في جازان بأتم صحة وعافية لإجراء ولادة اقترب موعدها، بصحبة زوجها المواطن "فهد صفحي"، من محافظة "أحد المسارحة"، لكنها خرجت بعد ساعات معدودة جثمانا يشيعه العشرات على أكتافهم إلى القبر، هذا ملخص القصة.

يروي الزوج التفاصيل بأنفاس متقطعة ولهجة متهدجة، بينما يحمل الطفل الذي لم تكتحل عيناه بأمه، قائلا: "ذهبت إلى المستشفى بصحة جيدة للولادة، ومكثت قرابة 12 ساعة داخل القسم دون تقديم الرعاية لها، وبعدها تم الكشف عليها وتقرر إجراء عملية قيصرية، استمرت 3 ساعات، ونجحت العملية واستقرت حالتها مع شعور ببعض الألم في البطن، لكن الفرحة بمولودها ومداعبتها له هونت آلامها".

 وتابع "صفحي": "عند منتصف الليل تلقيت اتصالا هاتفيا منها يفيد بأن الكادر التمريضي حقنها حقنة لا تعرف أسبابها، وبعد وقت قصير تعرضت إلى حالة ضيق في التنفس وسرعة دقات القلب، وكان القسم وقتها خاليا من الكادر الطبي والعاملات اللاتي طال البحث عنهن في ردهات المستشفى للمساعدة وسرعة الكشف عليها ليتم إدخالها إلى قسم الإنعاش، لكنها فارقت الحياة قبل وصول أي منهن"، بحسب "عكاظ".

ما هي تلك الحقنة المميتة التي حرمتني من زوجتي؟.. هذا هو السؤال الذي يلح على الزوج المكلوم، مؤكدا أن زوجته كانت بصحة جيدة، حتى تم حقنها بتلك الحقنة، حيث هاتفته وكان صوتها جيدا للغاية.

وأوضح أن مستندات الوفاة تثير الغموض، ففي خانة سبب الوفاة تارة يكتب "توقف في القلب"، وتارة أخرى "خثرة رئوية"، وتارة ثالثة يرى الزوج عبارة "أسباب غير معروفة"، ليزداد غضبه وألمه وشكوكه من أن ثمة إهمالا قتل شريكة عمره وأم ولده الرضيع.

ويطالب المواطن "صفحي" وزير الصحة بالتحقيق في قضية وفاة زوجته، التي دخلت المستشفى على قدميها وخرجت محمولة على الأكتاف، وكشف أسباب الوفاة بشكل سريع، وعدم المماطلة كما يحدث حاليا من قبل بعض مستشفيات جازان، ومعاقبة الكادر الطبي الذي تسبب في وفاتها.

شقيق الضحية "إبراهيم هزازي" فجر مفاجأة أخرى، حيث أكد أن إحدى شقيقاته التي كانت تتدرب في قسم الولادة بالمستشفى منذ فترة، كانت تنتقد باستمرار طريقة تقديم الخدمات الطبية والإهمال الشديد الذي يتم معاملة المرضى به، علاوة على جفاء الأسلوب، وعدم التواجد الميداني للطاقم الطبي والتكريضي في أماكنهم، لسرعة الاستجابة للطوارئ التي قد تحدث للمرضى المنومين.

وأكد "هزازي" أن شقيقته المتدربة كانت مع الضحية، وأكدت أنه لا أحد من الطاقم الطبي أو التمريضي كان متواجدا في مكانه خلال اللحظات الطارئة، حتى توفيت شقيقتها بين يديها، بعدما نطقت الشهادة، في انتظار منقذ لم يصل.

الرد الرسمي جاء من "صحة جازان"، حيث أوضح المتحدث باسمها "نبيل غاوي"،  أنه تم فتح تحقيق في وفاة فتاة عشرينية بعد عملية ولادة قيصرية بمستشفى الملك فهد المركزي، وتم تشكيل لجنة عاجلة من خارج المستشفى للوقوف على الإجراءات المتخذة مع الحالة ودراسة الملف الطبي للمريضة.

وأضاف أنه تم إجراء العملية القيصرية بنجاح، وأثناء تنويم المريضة ما بعد الولادة تعرضت لحالة خثرة رئوية مفاجئة تسببت في وفاتها (رحمها الله). مشيرا إلى أن اللجنة المكونة من استشاري نساء وولادة واستشاري عناية مركزة ولجنة فنية قانونية، بدأت أعمالها، وأوصت بإحالة الموضوع إلى الهيئة الطبية الشرعية لاستكمال الإجراءات واتخاذ ما يلزم حيالها.

الآن، يمكث الزوج في المنزل وحيدا مع رضيعه، ممسكا بعبوة الحليب بحيرة، يوجهها نحو فم ابنه ليرتشف منها رشفات الحياة، وهو يرمقه بنظرة براءة، لكن داخلها سؤال: "أين أمي يا أبي؟".