السبت، 11 شوال 1445 ، 20 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

حملة مقاطعة mbc.. ما لها وما عليها (2-2)

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

 تحدثنا في الجزء السابق عن أن (المقاطعة الاقتصادية) ما هي إلا أحد تطبيقات مبدأ (مجموعات الضغط)، ورغم أن نشأة هذا المبدأ سياسية بحتة، ممثلاً بـ(المقاطعة الرسمية)، و(المقاطعة الجماعية)، إلا أن تزايد الوعي الشعبي أنتج نوعاً ثالثاً من المقاطعات، وهو ما تمت تسميته بـ (المقاطعة الشعبية)، والتي يتولى تطبيقها والدعوة لها تكون مجموعة أفراد وهيئات غير رسمية، بدوافع عدة أغلبها إما قيمي ديني، أو وطني.

اضافة اعلان

وعرجنا على حملة مقاطعة مجموعة قنوات mbc التي انطلقت في 2010 م، ولا تزال مستمرة، حيث أوردنا 19 جولة تعد أبرز الجولات التي مرت بها الحملة.

 وسنجيب في هذا الجزء عن عدة تساؤلات تستحق الطرح في هذا المضمار:

التساؤل الأول: هل هناك جدوى من المقاطعات الفردية؟

فرغم المسمى الذي تتسم به المقاطعة (الشعبية)، إلا أن حقيقتها تعود لمبادرات (فردية) من عدة أفراد يؤمنون بالمبدأ نفسه، ولديهم المبررات نفسها، وهنا يمكننا أن نستحضر أحد الشواهد التاريخية التي تؤكد جدواها، وأنها ليست وليدة اليوم، وهو موقف (ثمامة بن آثال) الذي أسلم في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذهب إلى مكة معتمراً فلامته قريش على إسلامه، فغضب وقرر منع بيع الحنطة لأهل مكة حتى يأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – واستمر المنع حتى جهدوا، فكتبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – يسألونه بأرحامهم أن يسمح لثمامة، فسمح.

و"ثمامة" رغم أنه فرد، إلا أنه استطاع أن يمارس نوعاً من الضغط أدى لرضوخ قريش، وعدولهم عن موقفهم.

ومع ثبوت هذا الشاهد التاريخي، إلا أننا نعاني من غياب الدراسات التي تعنى بعدد من القضايا التي تسببت بحملات (مقاطعة شعبية)، وغياب الدراسات يعني غياب المعلومة الصحيحة والدقيقة؛ ومن ثم عدم ضمان استمرار الحملة وقطف ثمارها.

 التساؤل الثاني: هل حملات المقاطعة مشروعة؟

وبصراحة أجدني مضطرة أن أضع هذه التساؤل رغم بدهيته، فعدد ممن لم يؤيدوا فكرة المقاطعة، اعتبروا أن وجهة نظرهم كافية لتجريم المؤيدين، ورميهم بتهم لا آخر لها، وهذا أمر غريب، فكيف يحاسب شخص على تصرفه بماله، أو حذفه لقناة من الرسيفر الخاص به؟!

أعتقد أن المقاطعة حق مشروع لكل شخص مهما تكن مبرراته؛ لأن ذلك داخل في ذمته المالية، وليس لأحد أن يسلبه هذا الحق.

فضلاً عن أن أغلب المقاطعات الشعبية في الإطار المحلي السعودي، إنما هي ناشئة عن تخاذل جهات رسمية عن القيام بدورها في قضية معينة؛ ومن ثم فالمقاطعة تعد أسلوباً راقياً للتعبير عن وجهة النظر، ومن يجرمها إنما يجرم الرقي ويدعو إلى الانحدار والهمجية.

 التساؤل الثالث: هل المبررات التي ارتكزت عليها الحملة كانت كافية للمقاطعة؟

من واقع الجزء السابق من المقال، أستطيع أن أقول إن الأخطاء التي وقعت من القناة، ابتداء من عبارة (يسقط عمر) مروراً بتجاوزات (هي وهو) وليس انتهاء بـ(التسعة وتسعين) ومسلسل (أمس أحبك وباكر وبعده)

كلها تجعل للمقاطعين مستنداً ينطلقون منه، لكن بالمقابل فإن المؤيدين للمقاطعة (لم يجيدوا عرض هذه المبررات ولا صياغتها)، وكانوا في كل مرة يرتكزون على (حدث واحد)؛ مما جعل المقاطعة لا تحصد التأييد الكافي، بل قد يكون سوء العرض هذا هو الذي أوجد عدم اتفاق بين أفراد الأسرة الواحدة على خطورة هذه القناة، واعتبار بعض أفرادها أن ما يحدث فيه نوع تضخيم.

 التساؤل الرابع: هل حققت حملة مقاطعة قناة mbc نجاحاً؟

فيما يتعلق بحملة مقاطعة مجموعة mbc، فأعتقد أن أبرز أمر كشفته حملة المقاطعة، وسجلت به تفوقاً هو (إظهار الفجوة بين ما تعلنه المجموعة في أهدافها وبين الواقع).

 إذ حددت مجموعة mbc هدفها في موقعها الرسمي بأنه: (الارتقاء بمنظومة القيم الإعلامية، وتوفير محتوى نوعي يمتاز بأخلاقيات رفيعة وجودة عالية. هذه غايتنا الراسخة ورؤيتنا الطموحة).

والمتأمل للأخطاء (المهنية والقيمية والأخلاقية الفادحة) - التي تم حصرها في الجزء السابق - يعرف أن هذا المبدأ يتحول إلى شعار تسويقي أكثر من كونه مبدأ فعلياً!

 لكن هذا السؤال، يفتح الباب على مصراعيه، لتقييم واقعي للجهود المبذولة في المقاطعات الشعبية المحلية، إذ كان هناك عدد من المعوقات والثغرات، التي تمكنت بعض الحملات من تجنبها، بينما لم تستطع حملات أخرى فعل ذلك.

وأهم هذه المعوقات التي سأستشف بعضها مما أورده الخبير الاقتصادي (عبدالحافظ الصاوي) في دراسة له بعنوان: (سلاح المقاطعة الاقتصادية.. الجدوى والآفاق) كالآتي:

1- السمت الانفعالي العاطفي الوقتي كرد فعل، واعتماده على أخطاء الجهة المراد مقاطعتها.

2- عدم وضوح الأهداف والمبررات رغم توافرها ألقى بظلاله على ما بعده وهو صعوبة في تقييم نجاح الحملات من عدمها، وعدم التمكن من الإحاطة بالمكتسبات المتحققة.

3- غياب الإدارة المؤسسية عند من يدعم ويوجه الحملة، ولا يشترط أن تتبنى جهة ما هذه الحملة، بل يكفي أن يبادر المنادون لهذه الحملة بتأسيس صفحة أو بروشور، يضم مبررات وأهداف ومطالب هذه المقاطعة، ثم نشره على أوسع نطاق، كما يتم نشر الإنجازات بين فترة وأخرى لشحذ الهمم وضمان ديمومتها وعدم انحرافها عن مسارها.

4- عدم الانتقال من المقاطعة السلبية إلى المقاطعة الإيجابية.

والمقصود أن لا يكتفى بمقاطعة الخدمة أو السلعة، بل يتم دعم أو توفير (بديل) ينوب عن الجهة المزمع مقاطعتها، ويحقق احتياج المقاطعين، وإن كانت حملة مقاطعة mbc عانت كثيراً من هذا الجمود، لكن (مبادرة د. مالك الأحمد)، بإنشاء (حاضنة الدراما الآمنة)، جعل الراصدين يتوقفون عن وصم هذه الحملة بالسلبية، فمبادرة الحاضنة تعد نقطة تحول في المقاطعات الشعبية، ليس في السعودية فحسب، بل في العالم العربي كله.

 التساؤل الخامس: هل تعاملت مجموعة mbc مع دعوات المقاطعة بمهنية؟

 المتأمل للقوة المؤسسية التي يقوم عليها نشاط مجموعة mbc يتفاجأ بالتعامل الركيك مع كل تلك الجولات، وأنا هنا لا أتحدث عن ردة فعل المجموعة من منطلق قيمي، بل أقصد ردة فعل المجموعة بوصفها مشروعاً استثمارياً تجارياً، وهذا ما يغيب عن ذهن المتلقي العادي، فحينما تكون معظم القيادات الإدارية لا تدين بالإسلام أصلاً، فلن تكون هناك أرض قيمية مشتركة لاختلاف الأحكام بين الأديان، وسيخضع آخرون من المنتمين للقناة ما هو متفق عليه من القيم، إلى نظرية نسبية الحق التي تنسف كل ثابت، ومع كل هذا فلا أقل من أن ينظروا لهذا الاحتجاج بنظرة تجارية بحتة، والتعامل مع المشاهد كعميل يستحق الاهتمام، ومراعاة وجهة نظره، لكن المجموعة لا تبدي أي اهتمام بكل هذا، وهذا تسبب بخسائر للمجموعة ولو حتى على مستوى السمعة، بالإضافة إلى تضرر المعلنين، الذين تم استهدافهم بشكل مباشر!

 وكان بعض الراصدين ينتظر ردة فعل موازية لحالة السخط المتنامية، إما بالاعتذار مثل ما قامت به (شركة آرلا فودز) الدنماركية التي كسبت احترام المسلمين إبان أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، أو حتى ردة فعل توضيحية مقنعة مثل ما قامت به شركة (نستلة) في الأزمة نفسها السابقة، لكن كل تلك الظنون تهاوت أمام بيان ركيك صدر عن القناة: (يعجز الكلام أمام هذه العقلية وهذا المنطق، خصوصاً أنه يصدر عن أفراد حري بهم وجودهم في المصحّات النفسية ليعالَجوا من أفكارهم الشاذة)، هكذا اختصرت مجموعة mbc كل تاريخها بعبارة تضج بالتعالي: (من ليس معي فمكانه المصحة النفسية).

 ختاماً:

كثيرة هي الحلول الذكية التي كانت مطروحة على طاولة مجموعة mbc، وكنا كراصدين نتوقع ردة فعل متزنة تتسق مع الاحترافية الفنية التي تعتني بالتفاصيل، لكن الانسياق في المهاترات الفكرية، أدى إلى هذا التجاوب الضعيف، ونسف المبدأ المؤسسي، فكانت النتيجة بيانات وردوداً لم يتم حتى مراجعة صياغتها، وإذا استمرت الحال على ما هي عليه، فالحملة ستجد وقوداً متجدداً من أخطاء المجموعة، وستستمر لاستمرار مبرراتها.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook