الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

هل مازلنا نحتاج للأطباء؟!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
   

أعتذر بشدة أيها الأطباء الكرام، خَاصَّة من الأصدقاء الأعزاء، فلسنا في حاجتكم من الآن فصاعداً. كما أحمد الله تعالى بأن صرفني عن طموحي القديم وحلم طفولتي بأن أكون طبيباً مثلكم، حَتَّى لا أصل لهذه المرحلة التي يستغني فيها المجتمع عني، مثل حالكم الآن!

اضافة اعلان

تعرفون القول المشهور: "اسأل مجرباً، ولا تسأل طبيباً"! نحن الآن في الوقت الأمثل لتطبيق هذه المقولة. ليس هذا فحسب، بل إن وصايا المجربين وتجاربهم "الرائعة" صار يحملها إلينا "الدكتور واتساب" حتى قبل أن نسألهم أو نبحث عنهم، فَضْلاً عن أن نذهب إليهم في عيادات، نمضي ساعات طويلة في غرف الانْتِظَار، ثم نجري تحاليل ونصور بالأشعة، لنأخذ موعداً آخر حتى يراها الطبيب ونسمع منه "كلمات قليلة" يختمها بوصفة دوائية، الله أعلم هل تفيد أم تضاف إلى الأدوية التي يصفها العامة بأنها "ذبحت" الناس!!!

في الأسابيع القليلة الماضية فقط، وصلتني مقاطع عديدة لعلاج الجلطات، والسُّكَّرِيّ، والضغط، والنقرس، والقرحة، والقولون، والسمنة، والقائمة مستمرة! ليس العجب من اعتقاد شخص بأنه شفي نَتِيجَة تجربة حمية معينة، أو تناول علاج شعبي استفاد منه، لكن العجب أن يدفعه الحماس وحب الخير إلى تعميم تجربته على "كل" من يشاركه الأعراض الظاهرية للمرض، أو حتى بعضها!

أحدهم مثلاً، اقترح علاجاً لآلام الظهر، يكمن في طريقة الركوع بشكل محدد، وجزم بأن من يتبع طريقته سيشفى من آلام الظهر! ولا أظن شَخْصَاً لديه قدر يسير من المعرفة يخفى عليه أن آلام الظهر تتفاوت أسْبَابها بشكل كبير، بل إن السبب الواحد يختلف علاجه بِحَسَبِ موقعه وتاريخه وظروف الشخص الصحية!

وهذا يهون مقارنة بمن يرسل مقطعاً ترويجياً لمعالج شعبي مذيلاً برقم "عيادته" التي ليس فيها أكثر من معلاق معدني في سقف الغرفة، يتدلى منه حبل، يربط فيه أقدام مريض الانزلاق الغضروفي في الظهر، وبعدما يعلق المريض مثل الذبيحة يقوم بسحبه بقوة حتى تفرقع فقراته، مقلداً وبجهل شديد المتخصصين في "الكايروبراكتيك"! يختم هذا المقطع بنصيحة ترويجية لزيارة هذا المعالج مرفقاً رقمه! قد يشعر المريض بعدها بالراحة لبعض الوقت، طبعاً إن سلم من مضاعفات ربما تكون في غاية الخطورة على عموده الفقري المصاب أصلاً!

وآخر جرب عشبة أحضرها من دولة بعيدة، حَصَلَ عليها بعد جهد جهيد، وصار يستخدمها لعلاج أمراض عديدة، منها العقم! ويذكر قصة شخص استخدم هذا العلاج وحملت زوجته بعد عقم استمر أكثر من عشر سنوات. وهناك من استخدم العسل على السرة، فكان علاجاً لأمراض عديدة، أو "علاجاً بالجملة" كما يقال!

ومن الطرائف أن أحدهم ذكر في مقطع أنه وجد الصينيين يشربون الماء الدافئ بشكل دائم، وشرح للمشاهدين كَيْفِيَّة علاج قرابة عشرين مرضاً، تبدأ من الصداع وتَنْتَهِي بأمراض القلب بأنواعها والسرطان بدرجاته المختلفة، عن طريق شرب الماء الدافئ!!!

لا يلام المريض - أَحْيَانَاً - حينما يتعلق بأي أمل، وإن كان خادعاً، فوطأة الألم قد تفقد الشخص الرؤية الواعية التي تزن الأمور بعقل وحكمة. لكن اللوم الأكبر يقع على هؤلاء الذي يفسدون من حيث ظنوا أنهم من المصلحين. وربما انخدع بعضهم بما رأى من نجاح، فوجدها فرصة سانحة ليبرز نفسه عبر وسائل التواصل الاجْتِمَاعِيّ! والمتطوعون أكثر من أن يحصى عددهم، فلا يكاد مقطع من هذه المقاطع يدخل الفضاء الإلكتروني إلا ويصلك في كل "قروب" وعبر أَقَارِبك وأصدقائك المولعين بالأمور الصحية، من أتباع نظرية "الأطباء ما يعرفون كل شيء"!

العجب أنك تجد أَحْيَانَاً من يروج لتلك النصائح والاسْتشَارات الطبية "الواتسابية" مجهولة المصدر، ويُدَافِع عنها، وكأنها حقائق علمية مثبتة! قد لا يعلم بعض هؤلاء مَا قَدْ ينتج عنها من آثار جانبية، كالذي نصح بتناول بعض الأعشاب لعلاج بعض الأوجاع المعهودة التي يُعَانِي منها كبار السن، فكانت النتيجة فشلاً كلوياً مؤلماً!

كلمة أخيرة، تعلقوا بالله تعالى فهو سبحانه الذي قَالَ عن نفسه: (وإذا مرضت فهو يشفين). فالتعلق بالله تعالى الشافي هو الأساس. ولكن التوكل على الله تعالى يقتضي الأخذ بالأسْبَاب الشرعية، ومنها التداوي بما هو ثابت ومجرب بطريقة علمية، وليس بطريقة شخصية أو عشوائية! وإن أصررتم على تطبيقها على أنفسكم، فلا تهلكوا غيركم معكم، خَاصَّة أولئك المرضى الذين أنهكتهم العلل وطالت بهم الشكوى، فصاروا يتعلقون بتلك النصائح المجهولة كما يتعلق الغريق بقشة!

د. محمد بن عبدالعزيز الشريم

@mshraim

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook