الأربعاء، 15 شوال 1445 ، 24 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

محراب الأمنيات

مشاعل آل عايش
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

بسم الله الرحمن الرحيم

خلق الله الخلق على أماني وطموحات متباينة ,منهم من تحلق به أمانيه تحت العرش ومنهم من جعل أمنياته تبعا لقانون الجاذبية فلا تتعدى غلاف الأرض ,ولولا الأمل والأماني ماتطورت البشرية جيل بعد جيل, ولا غيرت خططها من فينة إلى أخرى , وحديث الأماني حديث ذو شجون قد يبرحه المرء إلى خاصته ومحبيه ,وقد يسره بينه وبين خالقه يناجيه. و للأمنيات في القرآن آيات تتلى وحديث يشرح النفس فتسلى, أمنيات كانت مبروحة على عتبات الربوبية فقال لها الرحمن كوني. فهذه حنة بنت فاقود زوجة عمران بن باشم ترى طائرا يطعم فراخه وكانت امرأة لا تحمل فدعت الله أن يرزقها الولد ثم أتبعت أمنيتها بنذر للرحمن إن رزقها الولد لتجعلنه محررا أي: حبيسا في بيت المقدس,وإذا بالأمنية تصبح حقيقة ,ودعاء الخلوة أمنية مجابة ,وتضع حملها وإذا هي أنثى فتوفي بنذرها وتدفعها إلى العباد المقيمين بالقدس وكانت أبنة إمامهم فيتساهمون على تربيتها فيكون القدر من نصيب زكريا-عليه السلام- زوج خالتها وقيل أختها ,لتكون مريم بعد ذلك عابدة زمانها وإحدى سيدات نساء أهل الجنة الأربع وزوجة لرسوله صلى الله عليه وسلم, تلك الأمنية التي جالت بنفس حنة للولد الصالح لم يبلغ بها الخيال أن تكون جدة لنبي من أولي العزم من الرسل,لم تكن تعلم أن تلك الأنثى التي وضعتها ستنهال عليها الكرامات حتى يصل الأمر أن يحدثها جبريل في محرابها,تلك الأمنية الجميلة ربما لم تسرها حنة إلى أقرب الناس إليها عمران وإنما جعلتها دعاء في محراب خلوتها مع الله فأتت بشائر التحقق تترى ليبقى ذكرها وذكر تحقق أحلامها قرآن يتلى وعبرة تحكى وموعظة لأولي النهى. ويكون محراب مريم-عليها السلام- باعثا لأمنية أخرى لنبي من أنبياء الله,فهذا زكريا يعودها في محرابها ويرى فاكهة الشتاء عندها في الصيف ,وفاكهة الصيف عندها في الشتاء ويدعوه غرابة ذلك للاستفهام من مريم: أنى لك ذلك؟ فتجيب إجابة من لزمت عتبة العبودية فنالها من الكرامة ما نال أولياء الله الصالحين(قالت هومن عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)سورة آل عمران الآية37. لتتحرك في نفس زكريا عاطفة الأبوة التي هاجت في نفسه رغم كبر سنة وعقم زوجته فتمنى على ربه مناجيا له(يامن رزق مريم الثمر في غير أوانه هب لي ولدا ولو كان في غير أوانه)ويخلو زكريا مع ربه في محرابه مصليا لتناديه الملائكة مبشرة له بتحقق الأمنية وليس التحقق فقط بل ومعه بشارات عظيمة ولد لم يكن له سميا من قبل إنه(يحيى)عليه السلام ,ونبي إلى بني إسرائيل ,وسيدا وحصورا, وبارا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا. إنها أماني محاريب ذكر فيها الله ,بثت إليه سبحانه بين سجدات وركعات وتسبيحات ,أماني صعدت يصحبها اليقين بكرم الله وحسن الظن به, أماني لفها الخفاء لتصبح آية للناس,كانت أمنيات شخصية في الصدور ولكن كان يراد عند تحققها وصول نفعها للناس فكان الإخلاص وحسن الظن المصاحب لها موصلا بعد قدر الله لمنزلة النبوة والرسالة. لم يستكثر أولئك المتمنين على ربهم عظمة الأمنية ليقينهم أن عطاء الله أكثر,فكان التحقق أعظم,ولم ييأس أولئك المتمنين على الرغم من رحيل الشباب والتقدم في السن لعلمهم أن رحمة الله إذا أدركت عبدا منحته السعادة وإن كان على عتبات الرحيل ,بل إن تلك الرحمة قد تمتد أبدية ترافقه لطفا في جميع مراحل حياته(الدنيوية والبرزخية والأخروية). وهاهي مريم تتمنى تحت جذع الشجرة أن تكون نسيا منسيا لا اعتراضا على قضاء الله وقدره ولكن لسوء مقالة قومها حول ذلك ,ووقوعهم في عفتها وتحسرهم أنها أبنة عمران ,فيكفيها الله ذلك الهم لينقلب إلى معجزة تسكت الألسن وتذهب بالعقول حين ينطق رضيعها(إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)سورة مريم الآية30 لتصبح عابدة بني إسرائيل هي العذراء البتول ,وأم نبي ينسب إليها لتكمل بخلقه أطوار الخلق الأربعة,فتصبح ببركة دعاء أمها وفضل أبنها سيدة من سيدات نساء العالمين الأربع في الجنة,وزوجة خاتم أنبياءه ورسله في الجنة,ليكون ذلك الهم الذي تمنت عدم حصوله هو باب السعادة لها ولآل عمران ذكرا يتلى حتى القيامة. فيكون في ذلك درسا لأهل الأمنيات أن المحنة قد تصبح منحة ,وأن الظلمة يعقبها فجر صادق,وأن تعلق القلب بالله حياة وإن قطعت من حولك أسباب الدنيا, وأن تباشير القضاء والقدر تأتي دون علم الخلق لتحول آمالهم حقائق صافية لا يشوبها زيف الزمان وأهله. وأن الأماني الصادقة الخالصة قد يكون في تحققها صلاح العباد والبلاد ,فيتمناها شخص أخلص لله ويعيش ببركتها عبادا أراد الله لهم السعادة بتلك الأمنية الصادقة. وآسية امرأة فرعون تحرم الولد والذرية لحكمة أرادها الله فلا يزيدها ذلك من خالقها إلا قربا وتعلقا به ,وترى مظاهر الإلحاد والكفر تعصف بزوجها ومملكته فتبث أمنياتها لله (رب أبن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) وفي لحظة أطلقت فيها النظر إلى مياه النيل لترى صندوق ل اتعلم ما فيه ,يسوقه قدر الله إلى جوار قصرها وتحمله الخدم إليها وهي لا تعلم أن هذا الصندوق هو معول هدم الكفر في مملكة فرعون وهو منارة التوحيد في أرض مصر,وهو رمز الحرية التي سلبت من بني إسرائيل على يد فرعون وجنده,وأن هذا الطفل الذي حمله الصندوق هومن يشبع شغف الأمومة عند آسية ,وأن هذا الطفل الذي تناغيه وتفرح به هو من ضرب له الميعاد مع ربه فيكون الكليم دون أنبياء الله ,أمنية تمنتها آسية في خلوة مع الله ساق الله لها المقادير لتكون سيدة من سيدات نساء الجنة الأربع ,فليس بالضرورة أن يكون كل ماحولك تربة خصبة لأمنيك لكي تتحقق ,ولكن الضرورة أن يكون لك قلبا بالله تعلق. قد تضرب على حريتك القيود والأغلال ,وينزع منك حقوقك أو بعضًا منها, ويقف الجميع أمامك موقف الخصم في ثوب القضاة, كل ذلك لا يستطيع أن يوقف نهر أمانيك التي تمتد لباب الجنة ,أو أن يحول دون إجابة الرحمن لأمنياتك الصادقة ,بل لعل تلك العوائق تكون سببا لوصول القمة ,فمن يحول بينك وبين رحمة الله(إن ربي سميع قريب مجيب)

اضافة اعلان

كتبته/مشاعل حلفان آل عايش باحثة دكتوراة بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook