الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

أُمٌّ خارج الخدمة

تركي الظفيري
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

ترتجف يداها وهي جالسة بصمت على كرسيها المتحرك، امرأة تجاوزت السبعين من عمرها، تستجم في هواء مدينة فانكوفر الكندية، لا صوت يعلو فوق صوت زقزقة العصافير، وحركة الأشجار، وانسياب الغيوم، سألتها مُنهياً مرحلة السكون عندما رأيتها عاجزة عن الحركة، رجل غريب ذو ملامح عربية يسألها متطفلاً عن إذا كان لها أولاد في المدينة يمدون لها يد العون، ويخفضون لها جناح الذل من الرحمة؟ قالت وهي تبتسم: إن ولديها يسكنون في نفس المدينة وتراهم كل بضعة أشهر، رجعت بي الذكريات إلى الناس في بلادي وعلاقتهم بوالديهم وقوة الترابط الأسري بينهم، حمدت الله حينها أننا مسلمون.

اضافة اعلان

لا ندعي الكمال في علاقة الأولاد بوالديهم، لكن الواقع يثبت، والدين يأمر، والمجتمع يراقب ما يعكر الصفو، ومن رقابة المجتمع انتشار مقطع لامرأة كبيرة في السن تقول لأولادها بلهجتها العامية: "حسبي الله عليكم ونعم الوكيل يا عقاقين الوالدين.. يا رب العالمين إنك تنصرني من عقاقين الوالدين"، والناس من حولها يمنعونهم من أذيتها، ظلام يكسو المشهد المؤلم، وحزن يكبل المُشاهِد، فهذه الأم مكانها التكريم والرعاية والاحترام والرحمة، فكيف يبيت الولد مرتاح الضمير وأمه تدعو عليه؟ وهل ينتظر خزياً أعظم من خزي توثيق عقوقه وجريمته، حسرة الأم صدمة لا يعالجها إلا الموت، ودعاؤها على أولادها مرحلة متقدمة من زوال الشعور والوعي.

يُبدِّد هذا الظلام خبر انتشر في وسائل الإعلام يتحدث عن إغلاق دار المسنين في حائل؛ لقلة المستفيدين من خدمات الدار، فليس لها حاجة في ظل قيام الأولاد بوالديهم والإحسان إليهم، فهذه الرسالة هي التي يحسن بنا نشرها لأنها تعبر فعلاً عن مجتمع البر والرحمة، لا ذلك المقطع الشاذ الذي يوثق عملية عقوق ضد أُمٍّ مكلومة.

اسألوا من فقد أمّاً أو أباً كيف هي حالهم بعد فقدهم؟ فقد قلت ذات مساء: "غاب والدي، رحمه الله، وغاب شيء في داخلي لم أستطع إيجاده"، فعلَّقت الكاتبة هند عامر: "سامحك الله، ليتك ما كتبتها، وليتني ما قرأتها، هدمت أسوار التجلد، وفجرت براكين ألمٍ ظننتها خمدت، سامحك الله!".

د. تركي بن خالد الظفيري

أستاذ مشارك بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز

@turkialdhafiry

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook