الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

وقف على مائدة الطاجن والكسكسي!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

ذات ليلة إسبانية وبعد يوم شاق من أيام برنامج الزمالة في إدارة منظمات العمل الخيري قضيناه في تلبية متطلبات إكمال الشهادة.. شعرنا بالجوع يغمز جنبات بطوننا فخرجنا نبحث عن لقمة تسد الجوع وتقيم الصلب وتشد الأود ، فقادنا أحد زملائنا خريت بالطرق والمطاعم إلى مطعم عربي مغربي نفيس.. وصلناه على أقدامنا.. وما كدنا نقترب ونراه يلوح في الأفق حتى انشغلنا بالتفكير والحديث عن موائد المطبخ المغربي ( الكسكسي، الطاجن ، وغيرها).. ونتجادل في أيها الأطيب، وأين كانت التجربة الأمثل.. قطع حديثنا قول أحد القادة الموفقين: بإذن الله لن نخرج الليلة إلا وقد أوقف صاحب المطعم وقفا ! صمتنا برهة.. ووقفنا مشدوهين.. استصعبنا الأمر.. فتحدانا بلغة الواثق بربه!.. دخلنا المطعم، فإذا الطاولات يعاد تصفيفها، والأنوار يطفأ بعضها... إيذانا بالإغلاق! انصدمنا لصعوبة البديل وطول الطريق.. فالتمسنا من صاحب المطعم الإذن لنا بالدخول وأن نكون آخر الزبائن. فتأمل قليلا.. وعاتبنا على التأخر وأننا العرب نحب اللهو و السهر! فأخبرناه أننا طلاب علم ومعرفة.. ولم نتأخر للهو وعبث.. فرحب بنا.. وأذن لنادل بالانصراف، وأمر آخر بالبقاء.. فرتبوا لنا مكانا يناسب سبعة من الضيوف.. وقدموا لنا قائمة الطعام.. وبدأت رحلة الاختيار بين الأطباق.. وما أن انتهت تلك المهمة الصعبة (وأظنكم توافقوني على ذلك!).. حتى جاءنا عصير ترحيبي من صاحب المطعم في بادرة لطيفة منه.. ودعونا نتجاوز الحديث عن الطعام وتفاصيله فليس هو الشأن، ولننتقل إلى ما بعد رفع الأطباق عن الطاولة.. جاءنا صاحب المطعم بالشاي المغربي.. فدعوناه للجلوس معنا فاستجاب .. وكأنما كان ينتظر الفرصة! من أنتم؟ ومن أين؟ ما اختصاصكم؟ وما عملكم؟... وكافة أدوات الاستفهام وأخواتها وبنات عمها! .. أسئلة كثيرة طرحها علينا بكل ذوق.. ويستمع بإنصات.. وتعجبه يزداد.. لقد سمع منا كلاما متفرقا حول مؤسسات المجتمع المدني، والأوقاف، والمشاريع التنموية، وبناء ومساعدة المجتمعات المحلية، والصدقات والزكوات ، وعن السعودية التي كان يظنها شيئا آخر (!!).. حتى إذا فرغنا أو كدنا.. قال: أغبطكم.. فرد عليه قائدنا المبارك: كن شريكا لنا بالخير! قال: أنا أتصدق بما أستطيع وبما يفتح الله علي.. رمى صاحبنا بسهمه فقال: صدقتك تزيد وتنقص، تأتي وتنقطع، تحضر وتغيب.. أليس كذلك؟ قال: بلى. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ أجابه صاحب المطعم: كيف ؟ قالها صاحب المطعم بتطلع ولهفة مشوبة بحذر !.. أجابه صاحبنا : الوقف. قال: لا أملك مالا كبيرا.. لأقوم بما تذكرونه من أعمال.. رد عليه صاحبنا: أوقف ريع صحن مشهور لديك وعليه طلب عال! قال: وهل هذا ممكن؟ أجابه: لا مانع أبدا .. سادت لحظات صمت وترقب.. قطعها صوت صاحب المطعم قائلا: ولكن ضبط عدد طلبات الطبق صعب وأخشى أن أقصر فيه... أجابه صاحبنا : وماذا عن أفضل يوم لك في المبيعات؟ قال: يوم الجمعة.. قال: ماذا لو أوقفت ساعة من دخل يوم الجمعة على أعمال البر والإحسان، ليبقى لك ذخرها وبرها ! قال ولكني أرغب أن تكون نفقتي على أقارب لي مساكين وضعفاء في المغرب.. قال: فلك فيها أجران! قال أفعل إن شاء الله ! وإني أرجو أن الله أكرمني بقبول دخولكم بعد انتهاء الوقت ليسوق لي هذا الخير، وأتعهد بإتمام هذا الاتفاق وأنتم عليه شهود. ...... هذا النموذج من الأوقاف يمثل حبلا ممدودا لكل القادرين بأي أنواع القدرة، ولا يترك لأحد من عذر.. ويسهل فكرة (الوقف) على عامة الناس، ويقرب التعامل معها، لاغتنام الأجر .. فدرجات الخير كثيرة، وأبواب الجنة ثمانية، والمحرمات معدودة والمباحات مفتوحة..

اضافة اعلان

وأختم المقالة بمعلومة وإشارة وطلب؛ أما الإشارة؛ فلعلكم تراجعون وسم #غرائب_الأوقاف في تويتر ففيه إشارات وتلميحات وقصص جميلة.. وأما المعلومة؛ فهي عن نموذج (الوقف المبتكر) وهو نموذج حديث صممه مركز محمد بن راشد العالمي لاستشارات الوقف والهبة، ومن محاور عمله (الأصول المبتكرة) وأشاروا إلى أمثلة متنوعة لأصول غير تقليدية، ومصنفة بحسب الجهات والمؤسسات. فالصحف يوقفون ريع إعلانات صحفية، والمطعم يتبنى وقفا من ريع طاولة محددة، وهيئات الرياضية يوقفون ريع مقاعد في الاستادات الرياضية، وسيارات الأجرة يوقفون ريع أوقات أو سيارات مخصوصة، وهكذا... وأما الطلب؛ فقل لي ولا تتردد: ماذا تنوي أن توقف حالما تنتهي من قراءة هذا المقال ؟

طارق بن محمد السلمان مختص بالمشاريع التنموية @MRTAREKMS

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook