السبت، 11 شوال 1445 ، 20 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

المسكوكات الثقافية

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

منذ نشأت الكتابةُ الصحفية وهي على رأس اهتمامات المفكرين والسياسيين والاقتصاديين وكل مَن له هدف في الوصول إلى عقول الجمع، وكانت الصحفُ تتخير الكاتبَ الذي أوكلت إليه التعبير عن رأيها، وتتخير الصحف كُتّاباً من ذوي الرأي في تخصصاتهم، ومن ذوي المعرفة فيما يتعرضون له من قضايا لكيلا يكونوا وصلة بين الجهل وعقل المتلقي.

اضافة اعلان

إن الحقيقة التي نراها تتنامى بين أسطر المقالات الصحفية هي تراجع الجانب المعرفي فيها وبروز الجوانب الهامشية التي تلامس ظواهر المعرفة وتهاتفها من بعيد، ولذلك فإن المقال الصحفي ابتعد كثيراً عن مركزية المعرفة فتخلى عن عنصر مهم في تركيبته الأصلية. إلا أنه يبقى وسيلة ضوئية للمراجعات المعرفية.

عالم اليوم هو عالم المعرفة في الاقتصاد، والسياسة، والإدارة، والتشريع. والإعلام والمعرفة طرفان لا غنى عنهما في المعادلة، إلا أن الإشكال الذي يدخل من أبواب متفرقة هو أن يكون بين الإعلام والمعرفة جفوة. فالمقالة الصحفية تسعى لهدف إقناعي، وهي طريقة برهانية في الأصل، ولكنها تتخذ أشكالاً نظرية، وأساليب إنشائية ليس فيها حضور للحس الاستدلالي، فتنزلق من الموضوعية للذاتية، وتغشاها اللغة العاطفية، ولا تكاد تخرج من المقدمات التي يسوقها الكاتب إلا وقد اختلط فيها العقلي بالنفسي، والموضوعي بالذاتي والاصطلاحي بالخاص، وتغيب هناك حقائق المعرفة، ويغيب الاستدلال المنطقي، ويكفيك بعد ذلك أن تقرأ استنتاجات بنيت على مقدمات خاطئة.

ومن المشكل أن المقالة الصحفية التي تسلك في مجال الرأي تتحول أجزاؤها لمسكوكات لفظية تتداولها التغريدات، ومواقع التواصل الاجتماعي، فلو عافها العقل المستقيم، فإنه قد يتلقفها العقل الطفولي، وينمو على فتاتها، والنتيجة رصيد من البنى الاجتماعية الواهية معرفياً، المتورمة ثقافياً، فقد مضى زمنُ النخبة الثقافية، وكثر المنافسون على بوابة الثقافة، فظهرت المسكوكاتُ الثقافية، التي تنقل العبارةَ بلا معرفة، وتحاور بالتنظير اللفظي لا بالحقيقة المعرفية، وتردد الجملة المركبة بغير وعْي، وهي مجموعات تتلقى الثقافة من قشور المعرفة، ومن النشر الإلكتروني الذي ترهل بمصطلحات ظاهرها معرفي، ومحتواها جاهلي، وليست المعرفة شرطاً في الثقافة بل إن الثقافات من صفاتها أنها قد تتضخم بعيداً عن المعرفة.

إن النمو الحضاري الذي تذبل فيه المعرفة سرعان ما يتحول من طريقة إلى أخرى؛ لأنه يسلك مسارات غير مكتملة البناء، ومن ينظر في مراحل النمو الحضاري، ويوازنه بالبناء المعرفي، يجد فجوات واضحة أدت لظهور طريقة النقد الذاتي المندفع، التي تحاور الجهل بالجهل، وتحاور العلم بالجهل، وتخالف حقائق العقل، وتفترض ما ليس في الواقع في جدلية باهتة. ولا يزال المدادُ بحراً والقلمُ حُرّاً.

[email protected]

 
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook