الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

هوس الشراء

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

لكل مجتمع خصائص ثقافية واجتماعية يتميز بها إيجابية أو سلبية، أو قد لا تعبر عن طبيعة محددة.

من الظواهر السلبية في المجتمع السعودي "هوس الشراء"، وهو شيء لم أره في مجتمعات أخرى شبيهة، أو حتى مختلفة عن السعودية.

اضافة اعلان

هذا الهوس يتمثل في الرغبة في الشراء دون حاجة حقيقية بمعنى آخر يذهب المرء إلى السوق ليس للبحث عن سلعة يحتاجها، أو جهاز ضرورياً للمنزل.. لا.. الذهاب للتسوق بذاته بمعنى "أذهب إلى السوق لعلي أجد شيئاً مناسباً للشراء"!!

هذه الظاهرة تتضح بشكل أكبر لدى النساء وبصورة مخيفة.

لدى أغلب النساء في مجتمعنا جدول أسبوعي يتضمن: على الأقل - زيارتين للسوق إما للبحث عن شيء جديد، أو استكمال لشيء موجود، أو كماليات لإغاظة الصديقات!

اتصلت امرأة بأخرى وقالت: "أم فلان.. أنا اليوم اشتريت لبنتي (طفلة) بدلة من محل (..) في العليا بـ 1200 ريال.. الرجاء عدم الذهاب له لشراء هذه البدلة لبنتك.. لأني إن شفت أحد لابسها راح أرمي البدلة.. شكراً لسماع النصيحة"!!

قريبة لزوجتي أنهكت جيب زوجها من كثرة الشراء وغالبه من كماليات الكماليات.. هذه المرأة تسكن بالقرب من الأسواق، وكانت تذهب مشياً في كثير من الأحيان لكن عندما جاء زوجها بالسائق ليخفف عنه المسؤوليات وليتفرغ لأعماله.. اتسعت خطاها وبدأت تجوب أسواق الرياض كلها.

كنت أظن أن مسألة هوس النساء بشكل خاص في الشراء شيء مبالغ فيه لكن عندما بدأت أجمع معلومات وأبحث عن القصص والأخبار فوجئت بضخامة الأمر.

مركز تجاري معروف أعلن عن تخفيضات 20 - 50%، وكما هو معروف النسبة العليا تطال البضاعة الراكدة وغير المسوقة، ونسبة 20% ليست بشيء مقارنة بالأسعار المرتفعة أصلاً للبضائع والتي مصدرها إما الصين أو الهند.

ذهبت مع زوجتي - بناء على طلبها ولسمعة المركز العالية محلياً - ورغم أني ذهبت مبكراً عصراً إلا أني تعبت حتى وجدت موقفاً للسيارة.. وعندما دخلنا ذهلت من أعداد الناس في الداخل وكأن الأمر توزيع هدايا بالمجان وليس مركزاً تجارياً لديه بعض التخفيضات.. بالكاد تمشي وبسرعة حضرتنا صلاة المغرب وصلينا في مصلى المركز... بعد ذلك جمعنا بعض الملابس الضرورية وذات الأسعار المعقولة.. لكن فوجئنا بالأعداد الهائلة لدى المحاسبين والصفوف الطويلة والتي كما فهمت قد تحتاج لساعة كاملة وقوف حتى تنتهي..

رميت الملابس وقلت لزوجتي.. هيا بنا.. الأمر لا يستأهل هذه الإهانات..

هوس الشراء لدينا لا يقارن بدول الخليج مثلاً، حيث الأوضاع الاقتصادية والثقافية متطابقة تقريباً، ولا بالدول الغربية حيث الاختلاف في الصميم في الثقافة.

كثير من الأسر عندما تسافر في الصيف للخارج لا تذهب إلى المتاحف، أو المتنزهات، أو المراكز العلمية، أو الثقافية.. فقط تجوب الأسواق! حمى الأسواق تلاحقها حتى في السفر..

في لندن تجد السعوديين بين ادجوارد رود حيث المقاهي والنرجيلة (للرجال)، وإكسفورد استريت (للنساء) وأحياناً نادرة تراهم في الهايد بارك للتلصص على المارة، أو أكل فصفص على العشب!!

هوس الشراء ليس له علاقة بالقدرات المادية بتاتاً، فالمحلات الراقية دائماً مليئة بالمتسوقات من الطبقة الراقية والمتوسطة، ومحلات أبو ريالين دائمة مليئة بالطبقة الفقيرة وشبه المتوسطة، أما مراكز الملابس الشعبية فتجد النساء بالآلاف من جميع الطبقات كأنه مركز خيري وليس مركزاً تجارياً.

لدينا مواسم طوال العام.. موسم بدء الدراسة حيث الانكباب على المكتبات، وموسم دخول الصيف، وموسم الأطعمة (رمضان)، وموسم تخفيضات نهاية العام، ومواسم الأعياد (الفطر والأضحى) وهلم جراً، لا يكاد ينتهي موسم إلا يعقبه آخر.

أعرف في الدول الغربية موسماً واحداً هو موسم نهاية السنة (الكريسماس) حيث يشتري الناس هدايا بكثرة، أما باقي السنة فالأمور عادية والشراء بحسب الحاجة لا كما هو عندنا.

هوس الشراء ظاهرة اجتماعية اقتصادية ثقافية في مجتمعنا.. تصيب الغني والفقير، والصغير والكبير.. والمتدين وغير المتدين..

إنها ظاهرة تستحق الدراسة، وتحتاج عناية؛ لأنها غير طبيعية وليست مبررة..

تجد بعض الأسر لا تمتلك منزلاً، لكنها لا تفوت أي عرض تخفيضات أينما كان بغض النظر عن حاجتها لتلك البضائع!

حجم الادخار لدينا ضعيف، والأسرة قابلة للاهتزاز لأي اختلال في الدخل، فما بالك إن طال الراتب بعض "القص"، أو تم إزالة بعض "البدلات"!!

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook