الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

حين تتقلب النية

20160120093733
أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

منذ أن قرأت قديماً مقولة الإمام سفيان الثوري رحمه الله (سيد العلماء العاملين في زمانه كما وصفه الذهبي):

"ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نيتي

اضافة اعلان

إنها تتقلب علي "

وأنا أتخيل حالة " التقلب " الذي قد تتعرض له النية، تبتغي حيناً وجه الخالق سبحانه، وحيناً آخر تتشوف لثناء المخلوقين ونيل المنزلة لديهم، بما يجعل المؤمن الفطن في حالة تيقظ مستمر، خشية من تقلبها إلى حالة يصبح معها جهده ونصبه هباء منثوراً.

وذلك حين يلتفت القلب إلى نظر المخلوقين ابتغاء ثنائهم ونيل المنزلة لديهم أو الرفعة عليهم.

نعم، قد ينال المؤمن بمعالجة النية (كما وصفها الثوري) ومجاهدتها شيئاً من المشقة، لا سيما وأن الرياء شديد الخفاء، كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل) رواه أحمد.

إضافة إلى أن دواعي الرياء وحب الثناء والمنزلة عند الخلق قوية في النفوس

يهوى الثناء مبرِّز ومقصر حبُّ الثناء طبيعة الإنسان

ولذا قد يكون للعبد خبيئة من عمل صالح فينقطع بذلك حظ نفسه وهواه بثناء الناس، فلا تزال نفسه "تضغط عليه " وتلح بكل "وسائل الحيل " ليظهره للناس، وينقله من ديوان السر ( العظيم عند الله) إلى ديوان العلانية، ويصبح حديث المجالس ووسائل التواصل، فيتحقق مقصودها بثنائهم.

وهذا يستلزم حراسة دائمة لثغر النية خشية من تسلل الشيطان وهوى النفس - على حين غفلة - لإفسادها بزرع "جرثومة الرياء ".

ولكن ذلك يهون حين يستشعر المؤمن عظم منزلة المخلصين وجزيل ثوابهم، وغزير ثمرات إخلاصهم من حلول التوفيق والبركة وتفريج الكربات.

كما أن مما يهون ذلك تذكر الوعيد الشديد الذي تُوعد به من لم تصفُ نية عمله الصالح لوجه الله فخالطها كدر الرياء والسمعة.

وحسبه من الزواجر أن يتركه الله لمن أشركه معه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركتُهُ وشركَهُ) (رواه مسلم )

وأي نجاة وتوفيق وفوز يناله وقد تخلى ربه عنه!

ومن أعظم الزواجر التي تنخلع لها القلوب الحية

قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمَّعَ سَمَّعَ الله به، ومَن يرائي يُرائي الله به) متفق عليه.

وقد شرح الإمام النووي -رحمه الله- هذا الحديث: (سمَّعّ) بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياءً (سمَّعَ الله به) أي: فضحه الله يوم القيامة، ومعنى: ((مَن يُرائي)) أي: من أظهر للناس العمل الصالح لِيَعْظُمَ عندهم (يُرائي الله به) أي: أظهر سريرته على رؤوس الخلائق. اهـ

وَمِمَّا يعين المؤمن على الإخلاص ومجاهدة الرياء:

1- التضرع إلى الله والإلحاح عليه بأن يخلص نيته، وأن يعيذه من الرياء.

ومن صيغ الاستعاذة من الرياء - حين يخشى العبد على نفسه منه – ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. قالوا: وكيف نتقيه ؟!، قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه".

2- أن يتذكر فضل الله عليه، وأنه لولا توفيقه له لما قام بهذا العمل (وما بكم من نعمة فمن الله).

3- أن يتذكر جميل ستر الله عليه، وأنه لو كشف ستره وبانت عيوبه للخلق لعاد مادحه من الناس ذاماً.

4- أن يتذكر أن من يتزين لهم بعمله إنما هم عباد ضعفاء عاجزون، لا يملكون له من دون الله نفعاً ولا ضرًّا، وأنه لو أراد منهم حسنة تنجيه يوم القيامة ما أعطوه، وأنهم سيتركونه وحيداً في قبره، ليس معه أنيس إلا ما خلص لله من صالح عمله.

5 - أن يخاف من مقت الله تعالى له، إذا اطلع على قلبه وهو منطوٍ على الرياء.

6 - أن يستكثر من عبادات السر، ويستزيد من خبايا الأعمال الصالحة.

ويحسن قبل الختام التنبيه إلى مزلق شيطاني خطير حين يغلو المؤمن في شأن توقي الرياء فيؤدي به ذلك إلى ترك العمل خشية من الوقوع فيه، وهنا يكون الشيطان قد ظفر بأمنيته الكبرى وهي ترك العمل الصالح.

ولذا يقال لكل عامل لا تترك للشيطان منفذاً عليك في كلا الحالتين: لا بالرياء ولا بترك العمل.

فاعمل وجاهد نفسك على الإخلاص

(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )

  • منارة على الطريق:

" مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ "

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook