الثلاثاء، 14 شوال 1445 ، 23 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

عصافير .. مُستأجرة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

هل يهمك لقاء مغرد تتابعه ولم يسبق لك لقاؤه؟ كان هذا هو الاستفتاء الذي وضعته لمتابعاتي من النساء في شبكة تويتر الاجتماعية تحضيراً لهذا المقال، وشارك فيه 1156 امرأة، وكانت النتيجة تحمل مؤشراً لم أتوقعه! ذلك أن 46% أجابوا بـ (تابعتك ولا يهم لقاؤك!)، فيما أجاب 47% بـ (تابعتك وأتمنى لقاءك)، فيما اختارت نسبة 3% بـ(التقيتك ثم تابعتك) و4% بـ(تابعتك ثم التقيتك)!

اضافة اعلان

نعم عدد لا بأس منهن لم يكن يرغبن بلقاء من أحببن شخصيتها في الشبكات – أو على الأقل لا يهمهن ذلك - الإجابة فتحت نافذة تأمل تقافزت منها التساؤلات، كان أولها هو: هل ثمة فرق بين هويتنا الحقيقية في الواقع، وهويتنا الرقمية في الشبكات الاجتماعية، ولأيها ينجذب الناس؟

وهنا أستحضر تقسيماً أورده (فيليب بشيني) حيث جعلها ثلاث دوائر: دائرة داخلية وهي (الهوية الشخصية) وتتضمن (سمات شخصية حقيقية للفرد واستعدادات فطرية)، ودائرة أكبر منها أسماها (الهوية الثقافية) وتتعلق بـ (امتثال الفرد لقيم معينة مرتبطة به وعادات متسيدة في مجتمعه)، وتحتضن الدائرتين السابقتين دائرةٌ أكبر وأوسع وأشمل هي (الهوية الاجتماعية) وتتعلق بـ (المكانة الاجتماعية للفرد والتي يحددها تعاملاته مع مجموعات تشترك معه في الاهتمامات أو الجنس أو السن أو المهنة)، وما يظهر لنا في الشبكات الاجتماعية غالباً هو بعض (الهوية الاجتماعية)!

بتبسيط أكثر.. نحن نرى مكانة الشخص الاجتماعية والتي يصيغها هو بنفسه في خانة التعريف في حسابه، ثم نتابع ما يشاركه مع الآخرين، ثم نكون عنه صورة في أذهاننا التي اخترعناها هي (حجر الزاوية) في سلوكنا تجاهه، وتفاعلنا مع آرائه، وننسى – أو نتناسى- أننا لا نعرف من سماته الشخصية الحقيقية إلا ما تعمد هو إظهاره، بينما قد تكون هناك سمات لم تظهر بعد وهنا مكمن الخلل.

الخلل أننا بلا وعي نعتبر (الهوية الافتراضية) هي ذاتها (الهوية الحقيقية) للشخص، ونغفل أننا نتعامل مع صورة قد تكون حقيقية وقد تكون معدلة جزئياً، وقد تكون مزورة تماماً!

هذا ينقلنا للسؤال الآخر، والذي استشفه من بعض الإجابات، فقد أوضح البعض أنهم يخشون (لقاء المغرد الذي أحبوا شخصيته الافتراضية)، لئلا ينصدموا بها! فما يهمهم فيه جانب معين (ثقافي مثلا)، والواقع الافتراضي يكفل لهم الانتفاع من هذا الجانب، فما الداعي للتعارف الواقعي، والمخاطرة بالإحساس الجميل الذي يحملونه؟

هذا التباين الذي تتخوف منه هذه الشريحة حقيقية، فلو عدت للدوائر السابقة ستجد البعض يستخدم ذكائه في (صياغة تعريفه) بما يحقق له إشباع في الحصول على (المكانة الاجتماعية) التي يرغب بها، ويستقطب من يشاركونه اهتماماته، وهذا ليس خطأ في ذاته، لكن يكون خطأ حينما يقوم بصياغة (صورة ذهنية) لا علاقة لها بـ(سماته الشخصية) ولا بـ(القيم الحقيقية) التي يؤمن بها ويطبقها- لا التي يترنم بها- ويجيد ترديدها في حسابه بينما في واقعه بينه وبينها ما بين المشرق والمغرب! مثله في ذلك مثل (النائحة المستأجرة)، تلطم على وجع لا تحسه، وتثير الدنيا ضجيجاً على قضية لا تعنيها، وهذا النوع باختصار وإن لم يكن (بيضة) وظن أنه بات عصفوراً ناضجاً يغرد كما يشاء، إلا أنه سيبقى (عصفوراً مستأجراً)، سيتهاوى كل تصنعه وكل تزويره يوماً مهما طال الأمد، فلا يمكن خداع (كل) الناس (كل) الوقت.

أما السؤال الأخير، وهو أمر يصعب أن تكتب عليه، ما هو تأثير الصدق الذي يحمله المغرد، أو صاحب الحساب في الشبكات الاجتماعية؟

تقرأ لبعض المغردين فتجد أحرفهم تنبض إخلاصاً وصدقاً، ومروءة وثباتاً، رغم أنهم لا يبذلون جهوداً إضافية في الكتابة، وأحياناً لا يملكون من الفصاحة ما يجعلهم يتلاعبون بالكلمات، لكن لديهم صدق يفيض مع كل حرف، وشفافية تجعلك تستشف منها (سماتهم الشخصية) التي تفوح (نبلا)، وتطرق (تواضعا)، وتشمخ (عزة)، وتصبر (تجلدا)، لهم( مواقف مدهشة) يسجلونها (بلا تردد)، ويثبتون عليها (بلا تراجع)، وتزداد (رائحة النبل) انتشاراً حينما ترى انجذاب بعض الناس من أمثالهم لهم، يتحولون إلى (فراشات) تبث (الابتهاج) في نفوس الناس، وتستنهض (الأمل) وهم يرونهم (يتشاركون) السمو و(يتسابقون) في العلو، فإذا ما ماتوا أو غابوا تتسابق شهادات الناس لهم بالخير - دون أن يلتقوهم حقيقة -، في ظاهرة اجتماعية لا تجد أمامها تفسيراً مادياً ولا شاهداً ملموساً، ليجف المداد ويتوقف القلم، وترتفع الأيادي شكراً أن كان في تويتر (عصافير صادقة) نتنعم بقربها في لجة (العصافير المستأجرة).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبته هند عامر

[email protected]

addtoany link whatsapp telegram twitter facebook