الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

مسلمو مالي.. بين سندان الحصار ومطرقة التواطؤ

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - تقرير:

يدعي الغرب دوما حماية الحريات وحقوق الإنسان وتشجيع الشعوب على التحرر، وربما سمح للمسلمين بإقامة شعائرهم على أراضيه، لكن تصرفاته وردود أفعاله تشي بعكس ذلك تماما، فالدول الغربية لا تستسيغ أبدا أن ترى حكومة تُشكل على خلفية إسلامية في بلد ما، وتصبح القوانين والأعراف والمواثيق الدولية حبرا على ورق ويقذف بها فورا في أقرب سلة للمهملات، سعيا لإسقاط كل من يحمل شعار الإسلام ومن يعمل على تطبيق الشرع الحنيف وتعبيد الناس لرب العالمين.

ومن المثير للدهشة أن الغرب لم يسع لوقف مجازر بشار في سورية التي تنقلها شاشات الفضائيات يوميا خوفا من احتمال وصول إسلاميين إلى الحكم، بينما يتحرك الجيش الفرنسي ويتدخل في شؤون مالي بشكل سافر لإجهاض الحراك الشعبي الذي يقوده شباب الصحوة الإسلامية، لوأد أول التجربة في مهدها.

اضافة اعلان
لماذا مالي؟

لا يمكن فصل عاملي التاريخ والجغرافيا عن الصراع الدائر حاليا في مالي، فالجغرافيا تشير إلى أن مالي التي تزيد مساحتها عن 1,240,000 كم² ويبلغ عدد سكانها 14,5 مليون نسمة ولها حدود مشتركة مع 7 دول هي بمثابة حلقة الوصل بين شمال وغرب أفريقيا، إضافة إلى امتلاكها للعديد من الثروات المعدنية والموارد المائية الطبيعية غير المستغلة.

والتاريخ يقول إن فرنسا حاولت في منتصف القرن التاسع عشر إقامة مستعمرة لها بمالي، ولكنها كانت تواجه بمقاومة عنيفة من قِبل السكان الأصليين، وأخيراً تمكنت من السيطرة على المنطقة عام 1895م. وفي عام1904م تحول اسم المستعمرة إلى السودان الفرنسي وصارت جزءاً من إفريقيا الغربية الفرنسية، ثم منح السودان الفرنسي (مالي) مرتبة الولاية في الاتحاد الفرنسي في عام 1946م.

وأصبح السودان الفرنسي جمهورية ذات حكم ذاتي في إطار المجموعة الفرنسية عام 1958م. وفي السنة التالية اتحد السودان الفرنسي والسنغال ليكوّنا اتحاد مالي الفيدرالي، وسرعان ما انفضَّ الاتحاد في أغسطس عام 1960م، ثم نال السودان الفرنسي استقلاله التام تحت اسم جمهورية مالي بتاريخ 22 سبتمبر عام 1960م.

رواسب الاستعمار

بالرغم من حصول مالي على الاستقلال منذ ما يزيد عن 50 عاما إلا أن فرنسا سعت إلى تغيير ديموجرافية البلاد وزرعت أتباعا لها في مختلف مفاصل الدولة، وبقي تأثيرها الثقافي على البلاد متمثلا في اللغة الفرنسية التي باتت بمثابة اللغة الرسمية ويتم التعامل بها في المدارس والجامعات وفي المصالح الحكومية، ولم تنس فرنسا يوما فترة استعمارها لمالي، ولذلك تسعى جاهدة لترسيخ تبعية مالي لها ودفع أي حكومة بها للدوران في فلك السياسة الفرنسية.

أنصار الدين

يشكل المسلمون (السنة) 90% من إجمالي سكان مالي البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ويعاني معظمهم من التضييق الذي تمارسه الحكومة العلمانية الحالية، ومنذ ما يقارب سنة سيطر مقاتلو أهل السنة على شمال مالي حيث يوجدون بكثافة، ثم واصلوا المسير حتى شارفوا على العاصمة "بماكو"، ولم تجد فرنسا وعدد من الدول الغربية بدا من التحرك حفاظا على مصالحها، وقطعا للطريق أمام أي نظام يقوم على أساس إسلامي في مالي.

تحرك فرنسي

تحركت فرنسا لإنقاذ الحكومة العلمانية الحالية بمالي بعد مشاورات مع عدة أطراف إقليمية ودولية، ودخلت كطرف فاعل في الصراع الدائر في مالي لمنع سقوط العاصمة في يد المقاتلين الإسلاميين، بحكم المصالح الحالية والاستعمار سابقا، وقام رئيس فرنسا بزيارة الجزائر قبل شهر لبحث وضع مالي، وكيفية القضاء على الشباب المسلم هناك، وأعلنت الجزائر تحفظها على المشاركة في ذلك، لكنها لم تمانع من استخدام فرنسا لمجالها الجوي لضرب مواقع الحركات الإسلامية، كما ضغطت فرنسا على ليبيا وتونس والجزائر لمنع الإمدادات عن مجاهدي مالي.

واضطرت بريطانيا لنقل طائرات نقل تابعة لسلاح الجو الملكي من أفغانستان حتى تتمكن من نقل معدات فرنسية إلى مالي، وأعلنت أمريكا دعم العمليات العسكرية في مالي بطائرات بدون طيار بعد موافقة المجلس الأوربي، وأرسلت دول الجوار جنودا وتعزيزات عسكرية لدعم الجيش المالي استجابة للضغوط الأمريكية والأوروبية، وأسفرت تلك العمليات عن استشهاد مئات المقاتلين المسلمين.

تحذيرات غربية

حذّر قادة عسكريون بريطانيون حكومة بلادهم من مغبة التورط في صراع ضد الإسلاميين بدولة مالي، مشيرين إلى أن أي تصرف من هذا القبيل قد يطول أمده، كما أنه يتطلب موارد أكبر بكثير من تلك المتاحة حاليا هناك، بعدما شن الإسلاميون هجوما مضادا أمس الأحد وأظهروا أنهم قوة لا يستهان بها.

وأشارت مصادر عسكرية إلى أن الفرنسيين اضطروا إلى تعديل خططهم الأصلية للتدخل بعدما واجهوا مقاومة أعنف مما توقعوا وتكبدوا على إثرها خسائر فادحة، ما اضطرهم إلى طلب الدعم المادي واللوجيستي من عدد من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة.

تواطؤ دولي

لم تصدر الأمم المتحدة إلى الآن بيانا تندد فيه بالتدخل السافر في شؤون مالي، وعلى العكس من ذلك يسعى الجميع للقضاء على الإسلاميين، في إشارة واضحة إلى أن لغة المصالح هي التي يعرفها الغرب ويجيد استخدامها والتحدث بها، ويبقى المسلمون محاصرين في دائرة رد الفعل إلى حين تعلم أبجديات تلك اللغة وفك شفرتها لاستخدامها في خدمة دينهم وأوطانهم.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook