الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

لن يعدوَ الحاقدُ قَدرَه

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
 

تحدثت في أكثر من مناسبة إلى بعض المفكرين الذين تشطح بهم أفكارهم عن طريق الحق، أحاديث ثنائية جانبية، أحاول أن أَلْفِتَ أنظارهم من خلالها إلى أمر مهم قد يغيب عن بال الغافل أو المكابر، وقد تعمى عنه بصيرةُ المقلِّد لغيره، المخالف لفكره، ألا وهو أنَّ نهاية الحقد خسارةٌ مؤكَّدة في الدنيا والآخرة، فلماذا يُصِرُّ الإنسان على جَلْب خسارةٍ مؤكدةٍ لنفسه؟

اضافة اعلان

وكذلك تكون نهاية محاربة الحقِّ الواضح الذي لا تهزُّه زوابع الباطل مهما كانت قويةً جارفة، وكانت تلك الأحاديث الجانبية فرصةً لمعرفة ما تخفيه نفوس أناسٍ من أبناء جلدتنا نراهم يقفون ضدَّنا ونعجب لذلك، ونندهشُ له، حيث يتَّضح مدى ما أصابهم من تضليل، وعُمْق ما نالهم من تشويه فكري، واضطرابٍ نفسي و«غسيل مُخٍ»، جعلهم يرون الحق باطلاً والباطل حقاً، ودفعهم إلى مواجهة كلِّ ما يمتُّ إلى فكرهم الأصيل مواجهة عنيفة تفوق - أحياناً - مواجهة الأعداء «المعروفين» من الكفار والملحدين الذين لا يلتقون مع فكرنا وثقافتنا أصلاً.

ومما تمتاز به الأحاديث الجانبية أنها تكون أقربَ إلى الهدوء والصَّراحة والمكاشفة، ويمكن أن تضع اليد على مَكْمن الداء، فيسهل بذلك العلاج.

ألقيتُ - ذات يومٍ - عدداً من القصائد في بلدٍ عربي في مقر «اتحاد الكتاب فيه»، وكان من بين القصائد قصيدة عنوانها «رسالة من بائس عراقي» نشرت في جريدة الجزيرة قبل غزو العراق في حرب الخليج، وهي قصيدة على لسان بائس عراقي ينادي العالم قائلاً: لماذا هذا الحصار، ولماذا تريدون غزو العراق؟ إن كنتم تريدون «الرئيس» فهو حليفكم - في الأصل - حتى وإن اختلفت المواقف فلماذا لا تأخذونه إليكم، وتريحوننا من الحصار والفقر وشبح الحرب المخيف، وما إنْ انتهيت من إلقاء القصيدة حتى انبرى لي بعض الأدباء الحاضرين ممن شابت رؤوسهم، ونالتهم آثار الشيخوخة وهم على مبدأ «البعث» المزيج من القومية، والعلمانية، ولفحات من اليسارية والاشتراكية، وجرى منهم كلام كثير حول «الرئيس العراقي» وأنه يمثِّل صمود القومية العربية في وجه أمريكا وغيرها، وغير ذلك من الكلام الذي أكل عليه دَهْر الهزيمة وشرب، ولم أشغل نفسي كثيراً بالحوار معهم حول هذا الموضوع، ولكني لمستُ من بعضهم تحاملاً واضحاً على ديننا الإسلامي الحنيف، ونظرة غير موضوعية نحو بلادنا «المملكة العربية السعودية»، وحديثاً ملَّتْ منه الأسماع عن الرَّجعية والتخلُّف، والوهابية، وحينما تحدَّثت بهدوءٍ حول هذا الموضوع الأخير موضحاً مسؤولية المفكر والأديب والمثقَّف في معرفة الحق، والصَّدْع به، وعدم إِلْغاءِ العقل والتفكير السليم تحت تأثير التعصُّب المقيت، قال لي أحدهم: إنَّ بعض أصحاب الأقلام الحرَّة من أبناء السعودية يؤكدون ما نقوله لك عن الرجعيَّة، والأصوليَّة، والوهابية، وسيطرة الفكر «التقليدي» والرؤية «الماضوية» على عقول كثير من الناس عندكم؛ مما وقف حائلاً دون التحرُّر الذي تدعو إليه الحداثة، والتعددية التي تنادي بها النُّخبة الليبرالية.

وحينما أتمَّ كلامه قلتُ له: هل اطلعت بصورة متكاملة على حقيقة واقع الفكر والثقافة والاتجاه الإسلامي في المملكة العربية السعودية، قال: ليس ذلك مهماً، فليس لدينا شك في أن بلادكم متخلِّفة من حيث الفكر والثقافة، وقال كلاماً يظهر فيه مدى الحقد الذي يغلي في قلبه تجاه بلادنا، وضربتُ صَفْحاً عن مناقشته، وسألته هل أدَّيتَ فريضة الحج؟! وكأنما وجَّهْتُ إليه كلاماً قاسياً بهذا السؤال، فقال: وماذا يعني ذلك؟! أنا إنسانٌ فقير لا أستطيع الحج. قلت له: ولكني أراك تدخن سيجاراً غالي الثمن بشراهة واضحة، وهذا النوع لا يدخنه إلا الأثرياء، وسكت الرجل قليلاً، فقلت له: أدعوك إلى الحج والعمرة فأنت تتجاوز الستين - كما يبدو - والعمر يرحل والأيام تمضي، أرجوك، فكر في هذه الدعوة والاستجابة لها، ولكنه قام وهو يقول كلاماً كثيراً فيه تحاملٌ واضحٌ على الدين، والمسلمين، والمملكة، وكان دخان سيجاره البُنِّي يكاد يغطِّي بياض شعر رأسه الخفيف الذي يحيط بدائرة «لامعة» وسط رأسه.

ورحل، وأنا أشعر بالحزن على حاله.

قلت في نفسي: «لن يعدو الحاقدُ قَدْره»، وتذكرت صوراً لرجالٍ لقيتهم في الحرم من بلاد عربية، كانوا في مثل حالة هذا الرجل، وأكدوا لي أن كلَّ أوهامهم قد زالت، حينما طافوا وسعوا وصلوا في البيت الحرام.

يا أصحاب الأقلام من أبناء هذا البلد الطاهر، كونوا مشاعلَ للآخرين فأنتم تملكون ثروة روحية لا يفرط فيها إلا محروم، ولا يحاربها بقولٍ أو عمل إلا حاقدٌ مكابر.

تَخفى الحقائقُ عن عيونٍ لا ترى

في الصفحة البيضاء إلاَّ الأسْوَدَ

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook