الخميس، 16 شوال 1445 ، 25 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

سلطان الخير.. قلوب تحبّ وعيون تدمع

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تقرير - سيد الجعفري:

تمضي بنا الحياة، فتستوقفنا بعض أحداثها، وتأسر قلوبنا بعض شخصياتها، ولا نملك حيال ذلك إلا أن نسجّل انطباعاتنا عن تلك الأحداث، وانبهارنا بتلك الشخصيات التي تأبى إلا أن تحفر أسماءها على حائط المجد بحروف من ذهب. وما الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلا واحد من هذه المشاعل التي أضاءت تاريخ الأمم، ورسمت معالم القدوة الحسنة نبراساً يضيء معالم الطريق؛ فهو سلطان الخير، وأمير القلوب التي ناجت الله من أجله ليل نهار، يحيل ألمك إلى ابتسامة، ومعاناتك إلى هناء وسرور. رحل سلطان الخير وبقي اسمه شامخاً، وأعماله علامةً تنير سجلّه على مر السنين.

 

المولد والنشأة

وُلد الأمير سلطان بن عبدالعزيز في مدينة الرياض يوم الخميس 13 رجب سنة 1346هـ/ 1928م، ونشأ في كنف والده الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - الذي أولى تربية أبنائه وتعليمهم أهمية بالغة. وقد حظي الأمير سلطان بقسط وافر من ذلك الاهتمام وتلك الرعاية الأبوية الحانية، وتربّى تربية صالحة، فتعلّم القرآن الكريم واللغة العربية وعلومهما على أيدي عدد من العلماء والمشايخ الأجلاء؛ مما أكسبه معرفه وثقافة واسعتين كان لهما أعظم الأثر في أخلاقه وتصرّفاته وتعامله وأسلوبه في تصريف أمور الوظائف والمهام التي أسندت إليه خلال سنوات عمره المديد الحافل بالإنجازات والعطاءات المتدفقة.

 

سماته الشخصية

طالت قامة أمير الإنسانية سلطان بن عبدالعزيز السحب، وشملت أياديه الناصعة البياض القاصي والداني عطاءً وخيراً؛ فهو مدرسة لصناعة الرجال والمواقف، ومن الصعب إنصاف مثله الذين يصنعون الأدوار الكبيرة في حياة المجتمعات. ومما يميّز الأمير سلطان على الصعيد الشخصي: حبّه القراءة المتعمقة، ومرونته في التعامل مع الأشياء والقضايا، وتمتّعه بذاكرة قوية تدهش كثيراً من الناس، وتمكّنه من رواية تفاصيل أحداث ولقاءات مرّ عليها سنوات، وفراسته وقدرته على معرفة ما يجول في خواطر الناس قبل أن يبدؤوا الحديث، وكرمه وحبّه المساعدة وعمل الخير، ودقته وتنظيمه ورغبته في التحضير للأمور قبل المناقشة، واهتمامه ومتابعته قضايا التنمية والتجديد في المملكة، ومتابعته الدقيقة قضايا الفكر الإستراتيجي الحديث، وقدرته الفائقة على الحوار والإقناع واستخدام الأساليب المنطقية وترتيب الأفكار، واستماعه إلى آراء الناس ووجهات نظرهم، وأخذه بمشورة العارفين منهم، واحترامه العلماء والمثقفين وذوي الخبرات المتميزة.

 

مناصبه القيادية

كانت بداية الأمير سلطان مع المهام الرسمية عندما أولاه الملك عبدالعزيز ثقته فعيّنه أميراً للحرس الملكي. ولكن لم يدُمْ ترؤس سموه الحرس الملكي وقتاً طويلاً؛ إذ أظهر نبوغاً مبكراً وهو على رأس هذا المنصب، فعيّنه الملك عبدالعزيز أميراً للرياض في شهر ربيع الآخر سنة 1366هـ، وعمره آنذاك 22 عاماً. واكتسب سموه خبرة عظيمة طوال ما يزيد على سبع سنوات هي مدة تولّيه إمارة الرياض، قبل أن يقدّم سموه استقالته من إمارة الرياض في شهر ربيع الآخر سنة 1372هـ بسبب عارض صحي طرأ على صحته، نصحه الأطباء على إثره بالتزام الراحة التامة، وتجنّب أعباء العمل.

ويعدّ الأمير سلطان بن عبدالعزيز المسؤول السعودي الوحيد الذي حمل ثلاث حقائب وزارية، تنقّل فيها بين ثلاث وزارات بشكل متتابع، وأظهر كل مرة نجاحاً كان كفيلاً بأن يترك بصمته فيه. وهذه الوزارات الثلاث التي كان سموه على رأسها هي: وزارة الزراعة سنة 1373هـ، ووزارة المواصلات سنة 1375هـ، ووزارة الدفاع والطيران سنة 1382هـ، التي فارق الحياة وهو على رأسها. وفي 21 شعبان سنة 1402هـ/ 13 يونيو عام 1982م، عُيّن سموه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، إضافةً إلى مسؤولياته وزيراً للدفاع والطيران ومفتشاً عاماً، ثم عُيِّن سموه ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء في أول أغسطس عام 2005م/ 1426هـ.

 

جوائز باسم الأمير سلطان

كان سموه حريصاً على تشجيع كل من يعمل لخدمة وطنه، أو خدمة الإنسانية عامة، فرصد لذلك جوائز كثيرة، منها: جائزة الأمير سلطان لحفظ كتاب الله منذ سنة 1394هـ، التي أصبحت دوليةً فيما بعد، وجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه، وجائزة سلطان بن عبدالعزيز لخدمة البيئة. وتقديراً وعرفاناً لما قدّمه الأمير سلطان من عطاء خيري شمل كثيراً من الفئات بادر عدد من المؤسسات والهيئات بتكريم سموه، ومن ذلك: جائزة جمعية الأطفال المعوقين بالمملكة العربية السعودية للخدمة الإنسانية سنة 1418هـ، وجائزة الشيخ راشد الإنسانية لعام 2002م. كما نالت مؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية جائزة أبها للخدمة الوطنية، وكذلك جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لسنة 1423هـ. كما اختارت وكالة (وتنس) الدولية الأمير سلطان بن عبدالعزيز من ضمن الرجال العشرة العازمين على حماية كوكب الأرض.

تبرّعاته ومساعداته

يعدّ الأمير سلطان بن عبدالعزيز من أكبر الداعمين لقضايا الإعاقة وتأهيل المعوقين؛ فقد كانت جهوده متواصلة، وعمله دؤوباً في كل ما يخدم المعوّق، ويوفّر له حياة سعيدة، وراحة نفسية. والدلائل على ذلك كثيرة، والشواهد معروفة؛ فقد أسهم -رحمه الله- في دعم كثير من المراكز والجمعيات التي تُعنى بشؤون المعوقين وتهتم بهم، وما إنشاء سموه الكريم مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية ومشروعاتها إلا شاهد على ذلك؛ فقد أصبحت مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية من الصروح الإنسانية الخيرية الكبيرة في العالم، التي تهتم بالمعوقين، وتوفر سبل الراحة لهم، وكذلك رعاية المسنين والاهتمام بهم.

كما تعدّدت إسهامات الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- في مجال العناية بالمساجد، منها: رعايته برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز للعناية بالمساجد، الذي تضمّن القيام بحصر المساجد القديمة ذات الأهمية الخاصة، ووضع خطة عملية لترميمها بالطريقة التي تضمن المحافظة على طابعها المعماري بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، على أن تقوم مؤسسة التراث بإنجاز هذا البرنامج. كما تكفّل سموه ببناء عدة مساجد في أنحاء شتى من المملكة، منها: جامع الشعيبة في جلاجل، وجامع حي الفهد في نجران، وجامع مثاب بني بشر، وجامع الإمام فيصل بن تركي في محافظة ضرماء، وإنشاء تسعة مساجد في مركز البرك. كما أنشأ سموه عدة مساجد في بعض الدول الإسلامية، منها: دعم بناء مسجد في بكين عاصمة الصين، وبناء مسجد ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم في روالبندي بباكستان.

وفي مجال التبرّعات في أوجه الخير المتعددة، قدّم سموه -رحمه الله- دعماً مالياً في عدد من أوجه الخير لبعض المؤسسات، منها: مشروع الأمير سلطان الحضاري في تبوك، ومشروع مركز الإحياء التابع لجامعة الملك عبدالعزيز في حائل، وصندوق الحياة الفطرية، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، ومؤسسة الملك عبدالعزيز للموهوبين، ودعم أسبوع الإنسان والبيئة، ودعم منكوبي الفيضانات في الصومال، ودعم الجمعيات الخيرية في المملكة، ودعم المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي، ودعم صندوق مكافحة الفقر، وترميم قصر شبرا التاريخي، وإنشاء مطار دولي في منطقة الراشدين بالمغرب الشقيق، وإعادة بناء مسجد لبنان في مدينة أغادير المغربية وترميمه وفرشه، وتأسيس جمعية الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمؤسسة العامة للصناعات الحربية في محافظة الخرج، ودعم مشروع سلطان الثقافي في جامعة الملك سعود؛ للإسهام في خدمة الطلاب والباحثين والأساتذة، وتمويل مشروع تعبيد طريق جبل صبر بالجمهورية اليمنية، ودعم مشروع تحديث المستشفى العسكري في صنعاء، ودعم جمعية الأيتام الخيرية في الرياض، ودعم مشروع ابن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج في الرياض، ودعم المركز الإسلامي في لندن، ودعم إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الحضاري وقاعة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الكبرى في منطقة الباحة، ودعم الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في محافظة الرس.

رحل ولي العهد وترك وراءه مآثره الجمة، وقلوباً تدعو الله له بالغفران والرحمة على أياديه، ولسان حال الجميع: الحمد لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اضافة اعلان

 

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook