الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

جرثمة المعاهد العلمية

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

ما زال الزمان يدور دورتَه ويُداول الله أيامَه حتى سمعنا نبأ (جرثمة المعاهد العلمية)، وهذا نبأ طريف حقيقٌ بالإذاعة، فائذن لي أن أحدثك عنه ..

اضافة اعلان

( تعدّ المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية اللبنة الأولى لإنشاء الجامعة والركيزة الأساسية للتعليم الجامعي في العلوم الشرعية والعربية والاجتماعية، حيث صدر أمر جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - عام 1370هـ بافتتاح معهد الرياض العلمي، وعهد بالإشراف عليه إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم  آل الشيخ - رحمه الله - وذلك لسد حاجة البلاد من المؤهلين في العلوم الشرعية والعربية لتولي مهام القضاء والتدريس والوعظ والإرشاد والاستشارات الشرعية )

هذا طرفٌ من التعريف بالمعاهد العلمية كما هو مدوَّنٌ في الموقع الشبكي لجامعة الإمام، ومنطوقُ هذا النص الجامع المانع ظاهرٌ لا يحتمل التأويل، وبما أن لكل منطوق مفهوما - كما يتعلمه طلبة المعاهد - فأنا الآن أسعى لكشف هذه المفاهيم الغامضة !

أ. تعد المعاهد العلمية (الركيزة الأساسية للتعليم الجامعي في العلوم الشرعية والعربية والاجتماعية) .. 

لهذا المنطوق مفهومان:                                         

1- ليس من شأن المعاهد العناية بالعلوم الطبيعية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء .

2- ليس من شأن المعاهد العناية بغير العلوم العربية كاللغة الإنجليزية والتاميلية والسنسكريتية .

ب. أنشِئ هذا المعهد ( لسد حاجة البلاد من المؤهلين في العلوم الشرعية والعربية لتولي مهام القضاء والتدريس والوعظ والإرشاد والاستشارات الشرعية ) .. 

ومفهوم هذا النص الفلسفي المغلق أن المعاهد العلمية لم توضع لتخريج من يتولّى صناعة الأدوية وتشريح الديدان المفلطحة وصناعة المثلثات والمخاريط ..

وتلحظ أيضًا أن هذه المعاهد وُضعت ابتداء تحت إشراف سماحة الإمام المجاهد محمد بن إبراهيم - رحمه الله -، وذلك لأنها تعنى بعلوم الشريعة، فكان من البدهي أن توكل مهامها إلى أهل علم الشريعة، وقد كان ..

ولكن بعد مرور قريب من خمسين عاما من إنشاء هذه المعاهد رأت الجامعة أن تضم اللغة الإنجليزية إلى مناهج المعاهد، فأخذت هذه المادة نصيب الأسد بحيث يدرسها الطلبة في أربعِ حصص أسبوعيا، أما علم النحو العربي فدون ذلك ! ثم فاجأتنا الجامعة هذه السنة بضم أربع علوم لمعاهدها، وهي: الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء، لترتفع عاليا بالمعهد ثم تهوي به سريعا إلى الأرض فتُخلخلَ أركانه وتقلّم أهدافه، إذ زاحمت هذه العلوم علومَ الشريعة وقلَّصت نصابَها، وكان من خيباتها إسقاط مادة الفرائض عن مناهج السنة الثانوية الأولى .

 

لسنا نعاني فقرا في المدارس الثانوية العامة فننازع المعهد خصوصيتَه، وكنا قد شهدنا قريبا ندرة المدارس العامة التي ترعى طلبة (المرحلة الثانوية/القسم الشرعي)، وها نحن نشهد غزوا رخيصا للمعاهد العلمية لتكونَ كغيرها، والأيام حبلى بالمفاجآت .

وقبل ذلك فُتح المجال لخريجي المعاهد العلمية للالتحاق بسنة إضافية تؤهلهم لولوج مختلف  العلمية والصحية، فظَلمنا بذلك مَن جدّ سنينه في تعلم العلوم الطبيعية، وبخسنا العلمَ الشرعي حقَّه حيث أخذنا نفتح النوافذ لطلابه بمثل هذه المحفزات ليفرّوا منه .. فما الذي يجري ؟

ونحن الآن ننتظر أخوات هذه الفتوح الكاسدة، ومدارسُ تحفيظ القرآن تتربص مكانَها، وتشاهد الحدث من بعيد .. فاللهمّ سلّم سلم

ليس معيبا أن نرعى هذه التخصصات ونسعى في تسخيرها لما يخدم ديننا وبلادنا، ولكن المعيب أن نسعى في التخليط والترقيع لمحاضن التعليم، فليس من شأن المعاهد أن تدرس المعادلات الرياضية والمركبات الكيميائية ونحوها، بل مهمتها تخريج طلبة علم شرعي مبني على الكتاب والسنة .. وليت أن المعاهد تنوء بهذا الحمل العظيم قبل هذه المزاحمة، فكيف وقد آل الأمر بها إلى ما نرى ..

كنت أتحدث مع جملة من طلبة كلية الشريعة أيام دراستي فيها عن ما يتعلق بمناهج الكلية  وصعوبتها، فلمست تطلعهم إلى إضافة سنة تحضيرية خاصة بكلية الشريعة كما صُنع لغيرها، وما ذلك إلا لأن المعاهد العلمية لا تؤهل الطالب تأهيلا كافيا لكلية الشريعة بعد التشمير الذي عمّ مناهجها على مر السنين حتى صار الطلاب يدرسون في النحو تهذيبَ تهذيبِ شرح ابن عقيل، وفي الأصول رسالة متواضعة للعلامة ابن عثيمين في فصلين دراسيين،  ثم يُقذف بالطالب ليدرس في الكلية روضة ابن قدامة، فيظنها تبحث علما آخر لم يسبق له أخذُ طرف منه .. هذا وما زلنا في دائرة علوم الشريعة، والآن ينهلون من علوم دخيلة ليست من صلب اختصاصهم ولا من روافده، ولم يبقَ على طلبة المعهد إلا أن يدرسوا مذكرات تشرشل وموسوليني ليجْرَعوا شيئا من سياسة القوم !

إن حاجة بلادنا لطلبة العلم الشرعي آخذة في الزيادة، وذلك لسد فاقة السلك التعليمي والقضائي والإفتائي ونحوِها، وهذه المعاهد العلمية والجامعات الشرعية هي المخوّل الوحيد للبلوغ بهذه الجوانب حدّ الكفاية، فإذا ضُيِّقت حدود رقعتها فمن أين لنا بالغوث !

وقد علمنا حرصَ الملك في تدعيم السلطة القضائية وتوسيع نطاقها، وسمعنا ما تضمنته الأوامر الملكية الأخيرة من السعي في إنشاء مَجمع فقهي سعودي، وكذا ما يتعلق بحاجة المدن إلى مفتين رسميين بعد القرار الحاصر، أضف إلى ذلك تلك الجامعات الناشئة التي تحوي تخصصات ومناهج شرعية، وغير ذلك مما يُوقفنا على عظيم الحاجة إلى تخريج كوادر شرعية مؤهلة، فما موقع هذا القرار من حزمة المهام هذه ؟!

وإن مما يبعث الأسى ما نبصره من تلك المناشط القائمة على حرب الله ورسوله والتي تسعى في تغريب هذه البلاد وتحييدها عن شريعتها، وبدلًا من دمغها بترسيخ معالم هذا الدين،  وتوسيع نطاق الدعوة إليه، والجدّ في تأهيل الجيل القادم بإشباعه من معاني الشريعة وعلومها = نقوم بتشذيب مناهج الشريعة لما هو أدنى منها، فنعوذ بالله من عجز المؤمن وجلد الفاجر ..

إن المناهج الشرعية تواجه هجمة شرسة من أعدائنا في الداخل والخارج، وما ذلك إلا ليقينهم أنها مكوّن أساسٌ لمجتمعنا الإسلاميّ، فالتجاوب مع هذه الطعون بمثل هذه القرارات الباردة إسهامٌ في سَلخ هويتنا، وحاجتُنا إلى علوم الكتاب والسنة أشد من حاجتنا إلى العلوم العصرية، ويلحظ كلُّ مطالع للساحة العلمية والفكرية في بلادنا ذلك الخَبَث العائمَ في الإعلام المرئي والصحفي مما يستدعي الرعاية التامة لهذه المعاهد أن يُسلَّطَ عليها ما يحرفها عن رسالتها، والعلماءُ والدعاة مسئولون أمام الله تعالى عن كل تقصير في حماية جناب علوم الشريعة من أن تمسّها أيدي العابثين، وإني أناشد جامعة الإمام بمديرها ووكلائها ومنسوبيها أن يتقوا الله فيما ولّاهم، وأن يجدّوا في صيانة جامعتنا ومعاهدنا، ويسيروا بها كما أُريد لها أن تكون، منارةَ علمٍ ومعلمَ هدى .

هذه خاطرة عجلى أحببت من خلالِها بثَّ شيءٍ من الكمد الجاثم على قلبي، أردت بها إنذار قومي والإعذار أمام الله تعالى .. ألا قد بلَّغت، اللهم فاشهد ..

 

وعلى الله قصد السبيل .. ومنها جائر .. ولو شاء لهداكم أجمعين

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook