الباحث في اتجاهات الكتابات الغربية عن السعودية والسعوديين التي تنشرها وسائل الإعلام أو مراكز الدراسات والبحوث يكاد يصل إلى نتيجة حتمية تتعلق بتناولهم لقضايا الدين والمجتمع على وجه الخصوص .
فكثير من هذه الكتابات لا تخلو من حالين :
1- إما أن تكون مبنية في الأساس على معلومات خاطئة ومغلوطة .
2- وإما أن تكون مكذوبة .
حتى المعلومات المبنية على تصورات خاطئة أو مغلوطة كان أساسها الكذب المتعمد والافتراء المقصود . ذلك أن العملية تبدأ من المراسلين الإعلاميين الغربيين الذين يفدون إلى المملكة لإعداد تقارير عن موضوعات معينة ، ثم يعودون إلى بلادهم فيكتبون ما يخالف واقع مارأوه وشاهدوه ، ويكذبون على من قابلوه من المسؤولين أو العلماء أو المثقفين أو عامة المواطنين .
يفعلون ذلك عن عمد وسبق إرادة في الكذب والإفتراء والتزوير ، لهدفين رئيسين :
1- إما بهدف الإثارة الكاذبة ، من خلال عناوين كاذبة تستفز القارئ الغربي أو تجذب انتباهه للقراءة والمتابعة لما ينشر ، أو من خلال رسائل تتضمن معلومات خاطئة ومغلوطة .
2- وإما لتوافق توجهاتهم الشخصية سياسات المؤسسات الإعلامية التي ينتمون إليها .
ثلاثة أمثلة في سياقات زمنية مختلفة يمكن ذكرها لتقف شاهداً على ما سبق ذكره ، ومثلها كثير :
1- في حرب تحرير الكويت، قدمت إلى المملكة الكاتبة الصحفية كريستيان أمبور، مراسلة صحيفة كريستيان ساينس موينتور Science Monitor Christian ، وأعدت تقريراً صحفياً وتلفزيونياً عن الحياة الاجتماعية في المملكة. وبعد عودتها إلى الولايات المتحدة استضافتها قناة ABC التليفزيونية وتحدثت معها عن ( العادات البالية والمتخلفة للمجتمع السعودي) التي لا توافق الثقافة الأمريكية ، وبخاصة في مسائل الحجاب، والاختلاط ، والتعليم . وقالت الصحفية: ( إن هذا المجتمع لا يزال يعيش في القرن السادس عشر الميلادي ).
2- بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تعرضت المملكة ( حكومة وشعباً ومؤسسات ) إلى عاصفة إعلامية غربية أُريد منها خلخلة البناء الديني والاجتماعي في المجتمع السعودي . وحملت كثير من المضامين الإعلامية عن المملكة إساءات مقصودة ، وتشويه متعمد لدينها وثقافتها . بيد أن من الإعلاميين الغربيين من بالغ في النقد السافر بطريقة أحرجت المؤسسات الإعلامية الغربية . من هؤلاء ستيفن شوارتز Stephen Schwartz ، الذي عرف بنقده الدائم لما يسمى ( الأصولية الإسلامية ) ، و( الوهابية السنية ) كما يسميها ، وله فيها كتابات كثيرة ، منها ( هزيمة الوهابية ) ، ( مشكلة الوهابية ) ، وغيرها . وبسبب نقده ( غير المهني والبعيد عن الموضوعية ) للمملكة العربية السعودية فُصل من إذاعة ( صوت أمريكا ) . البعد عن معايير المهنية والموضوعية هو السبب في فصله كما تقول القناة ، لكن ما وراء ذلك هو الكذب والغلو في النقد الجارح الذي عرف به ستيفن شوارتز عندما يكتب عن موضوعات أو قضايا سعودية .
3- اليوم ، وبدون أية مبررات سياسية تدعو للكذب والتجني على المملكة ، يأتي إلينا المراسلون الغربيون في زيارات تستهدف إعداد تقارير عن مجتمعنا وقضاياه ، يلتقون بمسؤولين وعلماء ومثقفين ، يحاورنهم ويتحدثون معهم وإليهم ، ثم يعودون فيكذبون في تقاريرهم ويزورون في أقوال من التقوا بهم وتحدثوا معهم . آخر هؤلاء هو مراسل صحيفة الجارديان البريطانية جاسون بورك Jason Burke الذي كتب سلسلة تقارير عن المملكة ، كذب فيها على عدد من العلماء ، متهماً بعضهم بأنه يتحدى سياسة الملك الإصلاحية ، ويتخذ من مسجده الصغير مكاناً لمناوئة خطوات الإصلاح ، ويتهم آخراً بإعجابه بحياة الغربيين إلى حد رضاه عن طريقتهم في شرب الخمر !!
شواهد كذب المراسلين الغربيين في تقاريرهم الصحفية عن المملكة وافتراءاتهم على المسؤولين فيها ، والعلماء ، والمثقفين ، والمواطنين تضيق عن الحصر ، وامتلأت بها أضابير المهتمين والمتخصصين . والمهم أن ندرك أن هؤلاء المراسلين لم يأتوا حباً لبلادنا أو خدمة للسعوديين ، أو البحث عن مادة إعلامية موضوعية وصادقة ، بل هم يرومون تحقيق غايات وأهداف محددة تخدم توجهات شخصية ، أو مؤسسات فكرية ، أو جماعات دينية، أو لوبيات حزبية سياسية .
والسؤال هو: ماذا علينا أن نفعل تجاه الحد من هذا الكذب المتعمد والتشويه المقصود لديننا وحياتنا الاجتماعية الذي دأب المراسلون الغربيون على ممارسته في وسائل إعلامهم؟
تتبادر إلى الذهن خطوات عجلى، أهمها :
1- أن لا نبالغ في الاحتفاء بهم عند قدومهم ، أو أن نمنحهم أهمية أكبر مما يستحقونها. فلم يأتوا لخدمتنا ، بل لتحقيق مصالحهم ، وقد لمست شخصياً أن من بيننا من بالغ في الاحتفاء بهم، وأنزلهم منازل لا يستحقونها ، وبالغ في خدمتهم ، وأظهر لهم مشاعر توحي بنعمتهم علينا، وهي رسالة أوحت لهم بـ (الدونية) التي جعلتهم يكتبون عنا من منطلق معادلة (القوي والضعيف) ، وما تحمله من انبهار الضعيف بشخصية القوي ، وإعجابه به، وخنوعه له!!
2- إذا التقى المراسل الغربي بالمسؤول أو العالم أو المثقف فليشعره أن اللقاء سيكون موثقاً ، وليس بالضرورة أن يعرف المراسل سبب التوثيق ، فهو حق أدبي وقانوني ليس له أن يسأل عن بواعثه أو تفاصيله .
3- إذا انتهى اللقاء ، فلا بد أن يُوحى إلى المراسل - بطريقة لطيفة غير مباشرة - أن تقريره المكتوب عن اللقاء إذا نُشر بطريقة مخالفة للحقيقة فإن المراسل سيخضع للمساءلة القانونية . وهذا حق مقدس عندهم ، فلا يجب أن نتردد في ممارسته كما يفعلون.
4- يأتي المراسلون الغربيون إلينا وفي جعبتهم حزمة من التهم الجاهزة والأباطيل الكاذبة عن ديننا ومجتمعنا ، فعلى من يحاورهم ويلتقيهم أن لا يقف من إدعاءاتهم موقف المُقرّ بها أو المُبرّر لوجودها ، بل يجب اتخاذ موقف المدافع والمفند للشبهات والأباطيل ، وأن ننتقل إلى مرحلة التنبيه إلى تجاوزات بلادهم في مجالات عديدة وفق ما يقتضيه سياق الحوار معهم.
5- من المناسب للجهات الرسمية في الدولة ، وبخاصة وزارة الخارجية ووزارة الثقافة والإعلام وهيئة حقوق الإنسان ، والجهات الأهلية مثل المؤسسات الصحفية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والجامعات ، والأفراد مثل طلبة العلم والمثقفين ، أن تكون لديهم قائمة بأهم ما يردده المراسلون الغربيون من موضوعات وقضايا عند زيارتهم للملكة تتضمن الشبهات والردود عليها .
هذه خطوات مقترحة ، تسهم في تقليل افتراءات المراسلين الغربيين على السعودية والسعوديين ، فالقضية جد هامة ، والتصدي لها همٌّ مشترك ، وذروة سنام ذلك كله الإخلاص في النية والعمل واستشعار المسؤولية الدينية والوطنية .