الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

ساهر المولود من خارج الرحم

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
لا أظن شخصا لم تسجل عليه- لا أقول مخالفة- بل مخالفات من "ساهر" لسبب بسيط جدا, وهو أن بعض الطرق لو وضعت رجلك على دواسة البنزين فستحصل حتما على مخالفة..! في امتداد شارع الملك عبد الله غربا, تقف سيارة تابعة لـ"ساهر" على "رصيف" جامعة الملك سعود الجنوبي, في منتهى نزول الشارع, فيظل السائق واضعا قدمه على الفرامل حتى يتجاوز سيارة ساهر"المخالفة..!" ولذا تجد الأنوار الخلفية للسيارات مضيئة حتى تتجاوز تلك السيارة, ثم فجأة تنطفئ الأنوار, وتسمع صوت السيارات وهي تندفع للأمام, بعد شبه توقف في شارع عام, له ثلاث أو أربع مسارات..! فهل هذا تطبيق حضاري للنظام..؟ لقد أصبح حديث المجالس لا ينفك عن هذا الموضوع, وأثر"ساهر" السلبي في تجريد أرصدة الناس مما بقي فيها من فتات.. لاسيما في ظل نشوء هذا النظام في بلد تختفي فيه العديد من المقومات الرئيسية والملامح الهامة لوجود نظام متطور كهذا.., كما يدل عليه رفض بعض المناطق في المملكة لتطبيق نظام"ساهر"حتى تتهيأ الأرضية المناسبة للتطبيق. وبما أن بلادنا لا يسمح فيها بالمظاهرات المنددة للرفض- وهو موقف إيجابي- لذا على الجهات المسئولة أن تقوم بدورها, فتراقب ردود أفعال الرأي العام, فالتبرم العام يثير العديد من علامات الاستفهام؛ لأن العامة لا ترفض ما يحقق المصلحة العامة, كما يدل عليه شواهد امتثال المواطن للعديد من الأنظمة المحلية, وما تفرضه من غرامات. لقد أضحى الإنترنت يضخ العديد من الصور المضحكة والمبكية لمواقف الناس الذين بلغ بهم الضجر منتهاه, حتى صرنا نرى سلوكيات لا تمثل السلوك السعودي البتة: كسلوك وضع لفافات الأقمشة على عيون ساهر.. وسلوك طمس اللوحات المرورية بالبويه.. وتغيير أرقام لوحات السيارات.. وهكذا في صور كثيرة منشورة في الانترنت.. لا يرضاها العقلاء, ولكنها مؤشر خطير, يجب أن يحظى باهتمام المسئول.. إن المواطن السعودي لم يعترض أبدا على العديد من الغرامات الناتجة عن العديد من المخالفات الصادرة من الجهات المختصة, لكنه في "ساهر" خرج التطبيق مشوها, فوجد معارضة صارخة, ولا زال.. أحد الإخوة اتجه لمحل بشارع التخصصي, لأجل صيانة إبريق تزيد قيمته على مائة ريال, فتجاوز السرعة النظامية(75كم) وحصل على مخالفة قدرها 300 ريالا ذهابا, و300 ريالا إيابا, فكلفته صيانة الإبريق أكثر من سبعمائة ريال..! لقد انخفضت القيمة الشرائية للريال بفعل قدر قيمة هذه المخالفات التي تمتص من راتب المواطن ذي الدخل المحدود (والمقدر مثلا بألفين وخمسمائة أو ثلاثة آلاف ريال) مقدار الخمس والسدس والسبع.. إذا كانت المخالفة 500 ريالا أو 300 ريالا, وقد ذكرت في مقال سابق أن "ساهر" بهذا القدر من المخالفات لا يجبي فقط, بل يزاحم رب الأسرة في المرتب كما يزاحم الورثة بعضهم بعضا بقدر الخمس أو السدس..! وهنا أتساءل: ألا تسهم إدارة المرور في دفع عجلة التضخم للإمام حين يصبح مرتب المواطن لا يساوي شيئا أمام هذا الكم الهائل من الامتصاص للمرتب المتواضع للفرد..؟!! لا أحد يقبل بالمخالفات التي يمارسها الأفراد في الشوارع وعند الإشارات المرورية, ولكن قبل التطبيق لابد أولا من وضع قيمة معقولة للمخالفة تخدش دون أن تجرح أو تعمق الجرح, كما لابد من بناء بنية تحتية للوحات المرورية وخطوط المشاة وغيرها, وأن يظهر حسن النية من التطبيق, وأن المقصود هو معالجة الظواهر السلبية, لا الجباية.. بالتخفي وراء الأشجار أو الخرسانات الإسمنتية أو في منحدر أو مرتفع شارع أو طريق عام, أو بوضع سرعات منخفضة جدا غير قابلة للتطبيق, فأي محاولة لتطبيق "ساهر" لا تنسجم مع الآداب المرعية أو مع الذوق البشري.., فإنها ستحظى بالفشل حتما.. ثم أين المحاكم المرورية التي تنصف المواطن..؟ لا يصح أن يكون المرور هو جهة القضاء, إذ لا يصح أن يكون هو الخصم والحكم.., وهذا من أسرار صدور المرسوم الملكي بالموافقة على النظام الجديد للقضاء الذي صدر قبل أكثر من سنتين- وتحديدا بتاريخ 19/9/1428ه- وفيه الإذن للجهات القضائية العليا باستحداث دوائر قضائية للفصل في القضايا المرورية, ومنها المخالفات, ونص المادة التاسعة عشرة:(تؤلف المحاكم العامة في المناطق من دوائر متخصصة، يكون من بينها دوائر للتنفيذ وللإثباتات الإنهائية وما في حكمها- الخارجة عن اختصاصات المحاكم الأخرى, وكتابات العدل- وللفصل في الدعاوى الناشئة عن حوادث السير, وعن المخالفات المنصوص عليها في نظام المرور ولائحته التنفيذية، وتكون كل دائرة فيها من قاض فرد أو ثلاثة قضاة، وفق ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء)أهـ وهذه المادة النظامية الصادرة من أعلى سلطة بالمملكة, والمتوجة بالمرسوم الملكي, تمهد لفكرة استقلال القضاء, وأن لا تقوم الجهات التنفيذية بسلطة القضاء والتنفيذ في آن واحد.. وقبل أكثر من سنة تورط أحد الإخوة في مخالفة مرورية باستراليا, فوصلت له صورة المخالفة فوتوغرافيا بالبريد, ومعها موعد المحاكمة في المحكمة المختصة المستقلة..! ونحن كدولة تطبق الشريعة الإسلامية أحق بقيم العدالة والإنصاف, فمتى سيحظى المواطن السعودي بنفس الدرجة من المحافظة على الحقوق؛ أعني الحق العام برصد المخالفات, والحق الخاص بتحقيق الشفافية والوضوح للمواطن المتهم بالمخالفة؛ لتكون التقنية الحديثة خادمة للاثنين بنفس الدرجة.. * أستاذ الفقه المشارك بالمعهد العالي للقضاء اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook