الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

العالِم وقت الفتنة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
لا يشك عاقل بأن العالم اليوم يعيش فتنا لم تعد خاصة تستهدف الأفراد، وإنما أضحت فتنا عامة تستهدف المجتمعات، يصدق فيها وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأنها تموج كموج البحر كما جاء عند البخاري، وفي تشبيهه صلى الله عليه وسلم الفتن بأنها تموج كموج البحر إشارة واضحة إلى قوتها وشدتها ثم إلى تتابعها،وأن الناس أمام هذه الفتن ســتضطرب حركتهم ويختل توازنهم ، وتضيق صدورهم ، وينقطع نفسهم ، وهذه حال من يصارع الموج ، بل أشار رسول الله إلى تأثر عقول الناس زمن الفتنة، وفي حديث حذيفة الصحيح عن رسول الله :" تكونُ فتنــةٌ تعــرجُ فيها عُقُــولُ الرجــالِ ، حتى ما تكادُ ترى رجلاً عاقلاً )) وليس المقال أطروحة علمية تذكر أوصاف الفتنة وأقسام الناس فيها ، وإنما الغرض إيضاح خطر الفتن،وأن الناس وقتها يحتاجون إلى الصوت العاقل المتزن الذي يهديهم سواء الصراط، لأن الخطأ في الفتن قد تكون نتيجته ذهاب أرواح وانهيار أمن وهتك أعراض وهلم جرا من الآثار السلبية الناتجة عن الفرقة وفتنة الاقتتال. إن المجتمع اليوم بل وكل يوم بحاجة إلى سماع أصوات من أخذ الله عليهم الميثاق الغليظ، الذي أشار إليه قوله تعالى:( (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) وبحاجة إلى طرح علمي مؤصل لنوازل العصر وقضايا الساعة من علماء جمعوا بين فقه الدليل وفقه الواقع، وبخطاب يتناسب مع أفهام الناس ويتماشى مع واقعهم . دعنا نتأمل ما حدث في ثورة تونس وما تلاها في ثورة مصر التي نسأل الله أن يكتب لأهلها الخير كله، لقد ابتدأت شرارة الثورة التونسية نتيجة حرق الشاب محمد بو عزيزي نفسه وبارك الكثير فعله، وسمي رحمة الله عليه البطل والشهيد، فاستن كثير من الشباب المقهور والمغلوب على أمره سنة بو عزيزي وأحرقوا أجسادهم التي بقيت بعد أن أحرقت الأنظمة أنفسهم وسحقت كراماتهم، وبوركت تلك التصرفات وسموا شهداء حتى سمعنا خطابات فردية من علماء مختلفين بأن قتل النفس لا يجوز، وبأن الله سبحانه يقول:( (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ولكن هذه النداءات تأخرت عن الحدث، ولم تبرز حتى سرت فتنة حرق النفس في المجتمعات. انتهت ثورة تونس و مصر والثورات تتابع في الدول العربية والإسلامية ولم نسمع بيانا شافيا من علماء الأمة ومفكريها يرقى لمستوى الحدث عن تقييم لهذه الثورات بعيدا عن الرؤى الفردية والاجتهادات الشخصية، واستعجلت الشعوب رفع الظلم ولم تستشرف مستقبلها بعد إزالته مع غياب الدور المنتظر من هيئة علماء المسلمين ومن رابطة العالم الإسلامي ومن مجمع الفقه الإسلامي بما يتناسب مع حجم النازلة التي لا يُكتفى فيها بخطاب مقتضب وإشارات موجزة، وصار كل عالم يتحدث بماعنده من العلم، وهذه القضايا الكبار لا تتعلق فيها مصائر الناس بعقل واحد مهما بلغ من العلم مبلغه، وإنما يقوى هذا العلم والعقل والفكر حين يكون متدارسا مع مجموعة كبيرة وثلة مباركة من علماء الأمة الذين يصدعون بكلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم، علماء لم يكونوا يوما علماء سلطة ولا علماء أتباع، لا يخشون سطوة الحاكم ولا صوت الأتباع، يخافون الله في الناس ولا يخافون الناس في الله، يتكلمون بلسان الشعوب ويطالبون بحقوقهم، ويتمتعون باستقلالية ويُمثلون جميع أنحاء العالم الإسلامي، ومذاهبه الفقهية. إن المجتمعات الإسلامية مجتمعات متدينة بالفطرة، يحركها الدين والاعتقاد، وإن أصر من أصر على تغييب دور الدين في التأثير على المجتمعات لأن ضوء الشمس لا يمكن أن يحجبه غربال، وتنتظر صوت العلماء الذين يبصرونها وقت الفتن التي كقطع الليل المظلم، علماء يتعاطون مع التقنيات الحديثة في إسماع أصواتهم ولا يتأخرون في المباحثات العلمية للنوازل العصرية. فمتى نسمع أصوات هذه الهيئات العلمية التي أقيمت بما يتماشى مع حجم النازلة وفي وقت يتناسب مع الحدث، الأصوات المستقلة التي توصل ما في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم متخلصة من فتنة الأتباع والحاكم؟ اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook