الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

أحادية الرأي..!

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
* لست من أنصار يوسف الأحمد؛ ولا تربطني به علاقة من أي نوع، وأستطيع القول إن النقاط التي أختلفُ معه فيها أكثر بكثير من تلك التي أوافقه عليها.. لكن كل هذا لا يمنعني من إعلان احترامي الشديد للرجل.. بل إنني لا أجد غضاضة في القول إنني ازداد تعاطفًا معه كلّما قرأت قدحًا لاذعًا يتجاوز حدود الرأي -حتى لا أقول الأدب- ليصل حد الطعن، والتجريح بشخصه، أو سمعت تندرًا فجًّا بآرائه التي رغم عدم اتفاقي مع بعضها إلاّ أنني أجد أن من الواجب احترامها؛ كونها تمثل رأي شريحة واسعة في مجتمعنا. * تعاطفي مع الأحمد لا ينبع من اتفاق، أو تطابق فكري، كما أسلفت.. بل هو تعاطف عكسي مبني على أسفٍ واستنكارٍ.. الأسف لفهمنا المنكوس والمعكوس والمتعوس لحرية التعبير.. أمّا الاستنكار فهو لما يُمارس في مشهدنا الفكري ضد أصحاب الرأي المخالف من تصرفات أقل ما يمكن أن توصف به أنها جاهلية.. والمؤسف أن هذه الممارسات لم تعد حكرًا على العامة والدهماء، بل توسعت لتشمل بعض النخب الثقافية والفكرية.. وإلاّ فكيف يمكن التوفيق بين قصائد السخرية، ومواويل القدح، وموشحات الانتقاص التي تدبجها بعض النخب لإرهاب كل مَن يطرح رأيًا مخالفًا؛ وبين أبسط قواعد الديمقراطية والليبرالية بل وحتى الملوخية والمهلبية التي تقول باحترام الرأي الآخر، واحترام صاحبه، طالما كان ضمن الأطر المتمدنة والحضارية. * المشكلة ليست في كون الأحمد يمثل اتجاهًا فكريًّا -ذا طابع ديني- له آراؤه وقناعاته التي قد يراها البعض متشددة، فهناك الآلاف ممّن يمكن حسابهم على هذا التيار.. لكنها تكمن في كونه رجلاً لا يخشى السباحة ضد التيارات الجديدة، ولا يهاب الاصطدام بالسائد والنخبوي، ولا يحاول المواءمة بين تلك الآراء وبين ما يؤمن به، كما يفعل غيره.. والأكثر من ذلك أنه يستخدم كل ما هو متاح من أجل عرض رأيه، الأمر الذي ألّب عليه بعض أدعياء التنوير من أحاديي الفكر الذين لا تحتمل صدورهم وجود أمثاله. * للمرة الثالثة أؤكد أنني لا أكتب انتصارًا للأحمد.. بل دفاعًا عن حرية التعبير.. تلك القيمة التي كفلتها القوانين المتحضرة في كل معاقل الديمقراطيات الحقيقية حتى لأشد الآراء تطرفًا ما لم تستخدم العنف.. بينما تستخدم في واقعنا المحلي بأساليب نفعية مضحكة، فنتشدق بها بصبيانية حين نريد تمرير آراءنا.. ثم ما نلبث أن نمارس أبشع درجات الإرهاب الفكري مع الطرح المخالف لمجرد أنه يختلف عمّا نود أن نقنع الناس -كل الناس- بأنه الحق الأوحد.. وكأننا نصر على تحويلها من قيمة إنسانية عُليا إلى فرع من فروع الجهل والبلادة حين نتجاهل عمدًا أن الاختلاف سنة من سنن الله في خلقه، وأن الحكمة ليست في موافقة الآخرين في كل آرائهم، بل في قبولنا لوجودهم بيننا، واحترامنا الكامل لأشخاصهم مهما كانت درجة الاختلاف في الرأي. * في الكيمياء يلجأ الباحثون إلى ما يسمونه الكاشف، وهي ورقة اختبار صغيرة مهمتها كشف نوعية المحاليل والسوائل حين يشتبه عليهم أمرها بتشابه ألوانها وكل خصائصها.. وأعتقد أن ضحايا الرأي في بلادنا يمثلون الكواشف الحقيقية لأدعياء الديمقراطية والحرية، حين يكشفون لنا بصورة لا تقبل الشك حقيقة الشحم فيمن شحمهُ ورمُ. اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook