الجمعة، 19 رمضان 1445 ، 29 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

الشعوب العربية لماذا تثور.. وماذا تريد؟

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook
قصة سمعتها من عشرات السنين وفي كل يوم تذكرني بها ردود الأنظمة العربية وتحليلات وكتابات من أرهنوا أقلامهم لمجافات الحقيقة لما يحدث بالشارع العربي ..القصة مفادها أن رجلاً ريفياً أرسل أبنه لدراسة الطب في بلاد الغرب ،لكن الشاب استهوى علم الفلسفة وشغف به ولم يعد لبلده إلا وهو حامل شهادة دكتور كما وعد أبيه ولكن ليس بالطب طبعاً،في الصباح الباكر أقيظ الأب ابنه والدنيا لا تكاد تسعه من فرحته بابنه الطبيب كما كان يظن، أثناء تناول الفطور قال لولده الدكتور أسرع يا بني لكي نصل المدينة باكراً حتى ننهي معاملة فتح العيادة لأنني وعدت كل الفقراء واليتامى كي تطببهم بلا أجر شكراً لله على هذه النعمة ،هنا كان لابد من مصارحة الابن لأبيه بالحقيقة ،قال له يا أبي أنا لست طبيبا إنني دكتور بالفلسفة ،لم يفهم الأب هذا الاصطلاح الجديد على ثقافته البسيطة فطلب المزيد من الإيضاح ،في تلك الأثناء حضرت والدة الشاب تحمل صحناً فيه بيضتان مسلوقتان ،أراد الشاب أن يشرح لأبيه القروي البسيط الفلسفة بمثال من الواقع فقال يا أبي الفلسفة يعني أن أثبت لك أن في الصحن بيضة لكل منا نحن الثلاثة وبدء يستخدم الكلام المنمق والمبهم ..ويتلاعب بالألفاظ ويحاول كما يفعل الكثير من حماة الأنظمة العربية أن يقلب الحقائق ويريد أن يقنع أباه بوجود شيء لا أثر له بالواقع الملموس ..بل يريده أن يقتنع ويلمس بيضة لا تراها عيناه اللتان لم تعرفا سوى الحقيقة الملموسة... بدء يتفلسف ...ليقنع والده بأن بالصحن ثلاث بيضات ؟؟؟؟ وبعد لف ودوران وكلام منمق طويل وألفاظ مبهمة ، قال له الأب وقد تحطمت كل آماله وأحلامه على صخرة الفلسفة التي لم يستسيغها ويستوعبها..قال لابنه الدكتور نعم لقد اقتنعت بما تقول يا بني هذه بيضة لي وهذه لوالدتك أما البيضة الثالثة التي دافعت عن وجودها فخذها أنت وهي لك....هذه هي حال الشعوب العربية مع حكامها وأبواق إعلامها . وفي الأيام الأخيرة ردد بعض المتظاهرين شعاراً أعمق من هذه القصة ودليلاً على مدى نفاذ الصبر من تحمل الاستخفاف بعقولهم وتجاهل وضوح مطالبهم فرفعوا شعاراً( لا للإستحمار ولا للإستجحاش ) تعبيراً عن غضبهم واستهجانهم لمن يحاول أن ينعتهم بصفات هم براء منها براءة الذئب من دم إسماعيل .بل أن كلام بعض المحللين وحملة الأقلام و الإعلاميين وأصحاب المسؤولية الذي لا يقنع الطفل الصغير تجعل حتى هذا الشعار غير كافي للتعبير عما يعيشه المواطن العربي من تشويه واحتقار واستخفاف وتهميش ولسان الحال يقول إن لم تستح فقل ما شئت . هذه الشعوب التي قرأت على مر السنين قول عمر ابن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً وقوله أصابت امرأة وأخطئ عمر،تفاخرت بهذا التاريخ العامر بكرامة الإنسان واحترام عقله وماله وعرضه وفي الوقت نفسه تنظر حولها في الحاضر لتجد في دول كثيرة ليست شعوبها أفضل منهم وقد أصبحت هي الحكم على من يدير البلد من نظام وحكومة تسقط من تريد وترفع من تريد بالانتخابات الحرة النزيهة بل وتجبر الوزير على الاستقالة بسبب هدية بسيطة أخذها أو وجبة غذاء دفعت عنه،يرى حكومات تسقط وحكومات تصعد بأصوات المواطن بدون أن يؤدي هذا لأي فراغ أو عدم استقرار هذه الشماعة التي تعلق عليها الأنظمة ذرائعها البالية منذ زمن طويل ،يرى أحزاب المعارضة التي تسعى لإسقاط الحزب الحاكم وفوق هذا تعطى مساعدة مالية من خزينة الدولة لتحقيق هدفها هذا والمفارقة أن التقدم والازدهار والتغيير نحو الأفضل يأتي مع الحكومات الجديدة في أغلب الأحيان .....هذا التاريخ المجيد والحاضر المتمدن أمام عينيه يوقظان في نفسه الحنين للمطالبة بتغيير أوضاعه الجامدة منذ عقود لم يرى سوى الوعود والشعارات التي لم تجلب له الحرية ولا الكرامة ولا حتى لقمة العيش ولكن ما يكاد لسانه ينطق بالأحرف الأولى من كلمات الحرية والعدالة والكرامة حتى يجابه بالتخوين والإقصاء والرصاص الحي المباشر ليحرمه ليس من الحرية بل ومن حق الحياة الذي لا يملكه إلا الذي وهبه. الشعوب العربية انتظرت الكثير وصبرت حتى مل الصبر من صبرها لكنها لم ترى سوى أنظمة عاجزة عن مجاراة العصر والعلم والتقدم ولم تجلب له سوى التخلف والجهل والتقشف وبالمقابل أحزاب معارضة تشابهت في أفكارها مع الأنظمة وراحت عقلياتها ترى نفس المبررات والذرائع حججاً لقبول الواقع، شاخت في تطلعاتها حتى راحت ترى التغيير شيئاً من العبث والخيال متذرعة بنفس شماعات النظام ومن خصوصيات لهذه الأنظمة ما أنزل الله بها من سلطان ،بجانب هذا يأتي الدور الغربي الذي دعم هذه الأنظمة لعقود طويلة وهو يدعي الدفاع عن الحرية والديمقراطية ، ازدواجية وتغليب المصالح على كل القيم لم يعرف التاريخ أبشع من هذه الصورة الوقحة.من خلال هذا الواقع المرير الذي دفع الشاب التونسي الجامعي الذي أجبرته الأنظمة واصلته إلى نقطة اليأس حتى يحرق نفسه لتكون شعلة الحرية التي أشعلت نار الثورة في كل الدول العربية فخرجت بعفوية وتلقائية بجهود الشباب النير الذي أثبت ولا يزال يثبت أنه متقدم على الأنظمة بأميال رغم ما أوتيت من مستشارين ومراكز أبحاث ودراسات لم تنفع في فهم هذه الشعوب سابقاً ولن تستطيع فهما حالياً ولا مستقبلاً. خرجت الشعوب بشعارات واضحة لا لبس عليها وقلة كلاماتها جعلتها غير قابلة للتلاعب ومحاولة ليها والنيل من أهدافها مستوحية ذلك من قرآنها الكريم الذي جمع هذه المطالب في كلمتي الجوع والخوف(الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فكانت مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة هي عناوين لمعاني كثيرة تنضوي تحت هذه المعالم الكبرى الشعوب تريد وطن تحكمه دولة القانون وقيادة وحكومة منبثقة منه هو الذي يختارها ويستطيع سحب الصلاحية منها متى أخطأت المسير والهدف الشعوب تريد أن تكون حرة في فكرها وحياتها وعملها وتوجهها السياسي ولا تريد أن تكون قطيع من الأغنام تردد ما يقول القائد الشعوب تريد أن الحكومات وأجهزة الأمن التي تأخذ معاشها من خيرات البلد والضرائب التي يدفعها المواطن من عرق جبينه أن تكون خادمة له حامية لمصالحه تؤمن له العيش الرغيد و الحياة الآمنة ولا يريد أن تكون هذه الحكومة والأجهزة الأمنية سبباً لضياع لقمة عيشة ومصدر رعب وخوف حتى في منامه وأحلامه. وأولاً وأخيراً تريد الشعوب استعادة الماضي المجيد وتريد وطناً حراً تشعر في ظله بكل مقومات ومستلزمات الإنسانية اضافة اعلان
كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook