الجمعة، 10 شوال 1445 ، 19 أبريل 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

وصية وجيزة لمن تصدى للاستشارة

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

العلماء ورثة الأنبياء ، والفقهاء درة الزمان ، ولا زال الناس ينهلون من معين العلماء الصافي ، ويستقون من نهر الفقهاء الجاري ، فكم أضاءوا دروب الحائرين ، ووعظوا وذكّروا الضلال والغافلين ، وفتحوا أبواب الرجاء والأمل لليائسين القانطين ، فكانوا كنجوم يهتدى بها ، وكغيث أصاب أرضاً فأنبتت كلأ وأينعت ثمراً . ومع تعقد الحياة ، ظهرت على السطح قضايا ومشاكل ، وجدت في حياة الناس نوازل ومستجدات ، وظهرت فتن ومحن ، فثاب الناس إلى علمائهم ودعاتهم ، سؤالاً واستشارة . ومن خلال متابعة هذه القضايا والنوازل ، نلاحظ إقبالاً من النساء على حلق العلم والفتوى وتفسير الرؤى وبرامج الاستشارات ، وهذا دليل الحرص والاهتمام والوعي لدى شريحة النساء . وقد تفوقت النساء في عهد النبوة تعلماً وسؤالاً واستشارة ، فكانت المرأة تسأل وتحاور وتناقش وتستفسر وتستفصل . وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع السائلات والمستشيرات يستحق التأمل والتعلم . فهذه سائلة عن عبادتها ، وأخرى مستشيرة في أمر زواجها ، وثالثة تثير قضية اجتماعية ، ورابعة تعرض مشكلة وتريد حلاً ،فيأتي الجواب واضحاً ومختصراً وواقعياً ، وتحل المشكلة في وقتها بدون تأجيل أو تعطيل ، وتطرح الحلول الممكنة وتقدم الاستشارة الناصحة . ورب وحي نزل جوابا لسؤال امرأة، ورب حكم يصدر لينهي معاناة امرأة . وبنظرة تأمل للأحوال التي حصلت فيها الفتوى أو الاستشارة ،نجد أن منها ما كان سؤالاً على الملأ أمام الصحابة ، أو في خطبة أو في أثناء تنقله صلى الله عليه وسلم في سفره وفي حجه وعمرته ، حيث تستوقفه السائلة لتستفتي ، فيأتي الجواب على مسمع من الصحابة ، فينقل لنا السؤال والجواب ، ومنهن من تأتيه في بيته وهو مع زوجاته ، فتلقي سؤالها أو تعرض مشكلتها ، على مرأى ومسمع من زوجاته ، وربما أحال صلى الله عليه وسلم توضيح الجواب وتفصيله لإحدى زوجاته كما حصل مع السائلة عن غسل الحيض .وقد كانت الصحابيات يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلن عند عائشة أو يسألنه في الطريق أو عند الباب . وهكذا حظيت المرأة بعناية واهتمام النبي عليه الصلاة والسلام جوابا لأسئلتها ، وحلاً لمشكلتها ، ونصحاً وصدقاً في استشارتها ، مع ضابط عدم الخلوة بالسائلة أو المستفتية أو المستشيرة ، بل في حضرة إحدى زوجاته ، أو على ملأ من الصحابة ، وكان الجواب على قدر السؤال ، والاستشارة على قدر المعطى من معلومات بدون خوض في الخصوصيات ، بل ما كان صلى الله عليه وسلم ليقف في موطن الشبهات ، ولا يعرض نفسه لفتنة أو شبهة . وكانت السائلة على وعي بآداب السؤال ووقت الاستشارة ، وتسأل وهي محتشمة متحجبة ، لا يمنعها الحياء من السؤال عن أمور الدين ، ولا تدفعها الحاجة للتبسط والخضوع بالقول . ومن هذا الهدي النبوي يستفيد الدعاة والمفتين والمستشارين ، ويستنبطون الضوابط ، ويقتدون بالسيرة والطريقة ، فقد رسم لنا هذا الهدي منهج التعامل بين المفتي والمستفتي ، وخاصة حين تكون امرأة من غير المحارم . وفي زماننا اليوم تعددت قنوات السؤال والاستشارة، وتنوعت وسائل التواصل والاتصال ، حيث تيسرت السبل ، ووفرت الزمن ، وقربت المسافات ، فالهاتف الجوال أصبح في متناول الجميع ، في جو من الخصوصية والبعد عن مرأى ومسمع أي طرف ثالث ، فلا رقيب إلا الله ، ولا وازع إلا الإيمان ، وهنا ربما زلت أقدام ، وسلبت عقول ، وهدمت بيوت ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، والفتنة خفية ، ولا يزال الشيطان يُغري الرجل بالمرأة والعكس ، والتساهل في هذه الأمور يفتح باب شر وفتنة ، قال ابن القيم : "الشيطانُ يأمرُ بسبعين باباً من أبواب الخير ؛ إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر ؛ وإما ليفوِّت بها خيراً أعظمَ من تلك السبعين باباً وأجل وأفضل " . وهنا أوجه نداء حاراً وصرخة نذير ، لكل من تصدى للسؤال والاستشارة ، وكان مهتماً بقضايا الأمة وحل مشاكلها ، وكان من سائليه ومستشاريه نساء ولابد ، أن يضع خطوطاً حمراء في التعامل ، ويحدد منهجاً سليماً في التواصل ، فالسلامة لا يعدلها شيء ، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الفتنة بالنساء ، فقال عليه الصلاة والسلام : "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"

اضافة اعلان

ومما يؤكد أن الفتنة بالنساء في الحرام موجب للانتكاسة عن الإيمان والاستقامة ،ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله r: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين ، أذهبُ للب الرجل الحازم ، من إحداكن يا معشر النساء " وأنا هنا ناصحة ومحبة ،لكل من له باع من علم أو خبرة أو مشورة ، لا أتهم أحدهم بسوء ، ولا أظن بهم شراً ، بل تعلمنا منهم الكثير ، وتربينا على أيديهم ، وترقينا في منازل سلوكهم ، ونشأنا في مدارج علمهم ، واكتسبنا من جميل أخلاقهم . فوفاء لمن علمنا ، وحرصا على من أرشدنا، وحذرا من سوء العاقبة وفتنة المحيا ، أبعث هذه الكلمات ، وأرسل هذه الهمسات ، لما تناهي إلى سمعي من قصص دامية ، وخفايا مهلكة ، ولما رأيت من عبرات سكبت ، وزفرات صعدت ، من قلوب متوجعة ، ونفوس متأزمة . وأنا هنا لا أضخم حدثاً ، ولا أبالغ وصفاً ، ولا أقلل شأنا ، أو أغض طرفاً ، بل لكل قدر وقدم سبق ، ولكل جهد وعمل ، ولكن أيضاً للجرح ألم وإن صغُر ، وهناك زلة لا تغتفر ، وهفوة لا تنسى ، ولا عصمة إلا لمن عصمه الله من ملك مقرب أو نبي مرسل ، والحي لا تؤمن عليه الفتنة . التبسط يذيب الحواجز ، والاسترسال ورفع التكلفة من أسباب الافتتان، والخوض في الخصوصيات يغري ويمهد للمحرمات ، والسلامة لا يعدلها شيء . أخي المستشار للبيوت حرمة ، والمستشار مؤتمن ، والتقوى مطلب ، فتذكر " أترضاه لأمك" . أختي المستشيرة أسألي ولا تسترسلي ، واستشيري ولا تتبسطي ولا تخضعي بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ، وتذكري " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " فلا تدع للشيطان مجالاً ولا للفتنة طريقاً . هذه وصية وجيزة لمن تصدى للاستشارة لعله يكون فيها خير وإنارة .

د. أميرة بنت علي الصاعدي المشرفة العامة على مركز إسعاد

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook