الخميس، 18 رمضان 1445 ، 28 مارس 2024

أعلن معنا

اتصل بنا

"المفتي": استقرار الحياة الزوجية مرهون بعدل الرجل بين نسائه

أ أ
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook

تواصل - واس:

أكد سماحة مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أن الإسلام رفع من شأن الأخلاق ورغب فيها، وحث عليها من خلال الكتاب والسنة، ومدح نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه بكمال أخلاقه وفضائله: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، فكان القرآن الكريم خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمته الظاهرة يطبق أوامره، ويجتنب نواهيه فما أمره به القرآن الكريم امتثله وما نهى عنه اجتنبه.

اضافة اعلان

وقال سماحته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض: أما أخلاقه مع أهله فكان - صلى الله عليه وسلم - يعامل من حوله بأطيب المعاملة وأحسنها إلا أن لأهل بيته معاملة خاصة، فكان يحسن المعاملة ويطيب الكلام ويحسن المعاشرة ويظهر الإكرام والاحترام، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، وكان مع أهل بيته في قضاء حوائجهم ومهنهم، يسأل الأسود أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهما -: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة".

وأضاف سماحته: أما عدله - صلى الله عليه وسلم - بين أهله، فكان خير الناس عدلاً، فهو عادل في أقواله وأفعاله مع أهل بيته وأصحابه ومع المجتمع كله، فهو منتهى العدل - صلى الله عليه وسلم -. فكان عدله بين أهل بيته ذلكم أن من أسباب استقرار الحياة الزوجية واستمرارها على الخير وجوب العدل من الرجل بين نسائه فليس التعدد عيباً إذا عدل بينهن وأعطى كل امرأةٍ حقها فإن هذا يزيل كل المشاكل، وإنما تقع الفوضى والاضطراب إذا خرج الزوج عن الطريق المستقيم ولم يلزم العدل في ما بينه وبين أهل بيته، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة فكان يعدل بين نسائه في القسم ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك. يعني بذلك القلب، كان - صلى الله عليه وسلم - يمر على بيوته كل يوم ويبقى في بيته عند الزوجة التي لها اليوم والليلة يبقى عندها، لكنه كان يمر على البيوت كلها ويقضي حاجتهم - صلى الله عليه وسلم -.

وتابع يقول: " كان - صلى الله عليه وسلم - يثق بهن ويتجاوز عنهن ويتحمل عنهن أخطاءهن، قالت أم سلمة - رضي الله عنها - إنها أهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - صحفة من طعام ومع عائشة فِهرٌ من حجر فضربت به الصحفة فكسرتها، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وجمع الطعام بين فلقتي الصحفة وقال: كلوا غارت أمكم، كلوا غارت أمكم. ثم أخذ صحفة لعائشة فأعطاها أم سلمة، وأبقى صحفة أم سلمة المكسورة عند عائشة - رضي الله عن الجميع -. وهذا هو عدله بين نسائه - صلى الله عليه وسلم - ولما مرض في آخر حياته استأذنهن أن تمرضه عائشة فأذنَّ له، فبقي في بيت عائشة حتى مات في حجرها بين حاقنتها وذاقنتها - رضي الله عنها وعن أبيها -.

وبين سماحة مفتي عام المملكة أن من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - تعامله مع الأطفال تعاملاً يُشْعِرْ بالشفقة والرحمة والمودة، كان إذا التقى - صلى الله عليه وسلم - بالصبيان سلم عليهم ومازحهم، كما قال أنس - رضي الله عنه - كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بالصبيان سلم عليهم وكان يمازحهم، ولما خطب يوماً من الأيام إذا الحسن والحسين يمشيان في المسجد ويعثران. فقطع خطبته ونزل وحملهما بين يديه وقال: صدق الله ((المال والبنون زينة الحياة الدنيا))، رأيت هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى رفعتهما. صلاة الله وسلامه عليه، وكان يحمل أمامة بنت ابنته زينب كان يحملها ويصلي إذا قام حملها وإذا سجد وضعها - صلى الله عليه وسلم - وصعد الحسن والحسين على ظهره - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد فلم يتحرك من مكانه حتى نزلا، كل ذلك من تقديره - صلى الله عليه وسلم - للصبيان والشفقة عليهم والرفق بهم، هكذا هديه - صلى الله عليه وسلم - ومن أخلاقه تعامله مع الخدم فكان يعامل الخدم بالرفق والرحمة، وكان يحترم الخدم احتراماً، ويعطي كل ذي حق حقه.

كما استشهد سماحة مفتي عام المملكة بقول أنس - رضي الله عنه -: //خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي أف قط، ولم يقل لي لشيء فعلته لما فعلته، ولا لشيء لم أفعله لماذا لم تفعله؟//.

وتقول عائشة - رضي الله عنها - ما ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده خادماً ولا امرأة إلا أن يكون جهاداً في سبيل الله، ومن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - العفو العام عن المسيء، ويعذر الجاهل لجهله والصغير لصغر سنه، كل ذلك من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - يقول أنس - رضي الله عنه - أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نيتي أن أذهب لما أمرني به نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت ومررت بصبيان يلعبون، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنس، أذهبت حيث أمرتك؟ فقلت: سأذهب إن شاء الله.. قال فذهبت فقضيت حاجته//، وجاء أعرابي إلى المسجد وبال في ناحية من نواحي المسجد فذكره الناس له - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى الأعرابي بوله دعاه - صلى الله عليه وسلم - وقال له إن هذه المساجد لا تصلح للبول والبراز وإنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن.

وأضاف سماحته أن من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - الحلم العظيم فكان أحلم الخلق وأحسنهم في التجاوز والعفو عن ما يصيبه في نفسه، يقول أنس - رضي الله عنه -: //كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة نجرانية حاشيتها غليظة، فجاء أعرابي وجذبها حتى رأيت عنق النبي وقد أثر الجذب في عنقه - صلى الله عليه وسلم -.. وقال يا محمد، مر لي من مال الله الذي أعطاك، فالتفت إليه - صلى الله عليه وسلم - وضحك وأمر له بعطاء، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: // أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يتقاضاه فأغلظ له فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً//، قال أبو سعيد: // إنّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ بِالْجِعْرَانَةِ قَسْماً، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟" فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ، قَالَ: "لا، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَاباً لَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ مَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ".. فقال أبو سعيد: وأنا قاتلت مع علي - رضي الله عنه - الخوارج ورأيت هذا الرجل مع قتلاهم، كل ذلك من حلمه - صلى الله عليه وسلم -//، وكان من حلمه - صلى الله عليه وسلم - العفو عن من أساء إليه.. سحره يهودي بعقد ألقاها في بئر فاشتكى النبي من ذلك.. فجاءه جبريل وأخبره فأخرج العقد وحلها ولم يعاقب اليهودي بشيء حتى مات - صلى الله عليه وسلم -.

وذكر سماحة مفتي عام المملكة أن من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - زهده في الدنيا ورغبته في الآخرة، فكان أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم رغبة في الآخرة، خيّره الله بأن يجعله ملكاً نبياً أو عبداً نبياً، فاختار أن يكون عبداً نبياً - صلى الله عليه وسلم - فكان زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وكانت حياته حياة يسيرة، فكان ينام على السرير تارة وعلى الأرض تارة وعلى الحصير تارة، قال أنس: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل عدد من أصحابه وفيهم عمر - رضي الله عنه - والنبي نائم على سرير، فقال فالتفت النبي فرأى عمر أنه ليس بين فراش النبي وبين ظهره ما يقيه من قشور ذلك الفراش، فبكى عمر، فقال ما يبكيك يا عمر؟ قال أنظر إلى كسرى وقيصر يعبثون في هذا الأمر ما يعبثون، وأعلم عظم مقامك عند الله وأنت كما ترى، فقال يا عمر أما تسأل الله أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة، قال نعم، قال فذلك ذلك//.

وأضاف سماحته أنه من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - التواضع العظيم، فكان تواضعه تواضعاً جماً مع الصغير والكبير والحر والعبد والغني والفقير صلوات الله وسلامه عليه، مستشهداً بقول عبدالله بن المقفع أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يستنكف أن يمشي مع المسكين ومع المرأة حتى يقضي حاجتها، وكيف لا يكون هذا وهو القائل - صلى الله عليه وسلم -: //نادوني كما قال عيسى بن مريم إنما أنا عبد، فقولوا عبدالله ورسوله//، كيف لا وهو القائل - صلى الله عليه وسلم -: // لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي لي كراع لقبلت//، كل ذلك من تواضعه - صلى الله عليه وسلم - وهذه هي أخلاق النبي صلوات الله وسلامه عليه، هذه أخلاق نبينا في عفوه وحلمه وعدله بين زوجاته وتعامله مع أهله ومع الخدم ومع الأطفال الصغار ومع كل الخلق فصلوات الله وسلامه عليه، وصدق الله: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"، فصلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين.

وأردف سماحة مفتي عام المملكة الحديث مستشهداً بقول الله - جل وعلا - :"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ"، أيها المسلمون، هذه أخلاق نبيكم وسيرته العطرة، فعلينا أن نقتدي به، وأن نتأسى بقدر استطاعتنا في كل أحواله - صلى الله عليه وسلم - فأخلاقه تذكر ليعمل بها وأن تكون نبراساً للمسلم في حياته كلها فنسأل الله أن يثبتنا على دينه، وأن يرزقنا اتباع سنته وشريعته صلوات الله وسلامه عليه.

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ: عباد الله، إن من نعم الله على الرعية أن تشعر الرعية بأن قادتها حريصة على مصالحها وعلى منافعها وأنهم يعيشون في ظل قيادة يتوارث المجد صغارهم عن الكبار وخير خلف عن خير سلف، يحمدون الله على هذه النعمة، وأن هذه القيادة تسعى دائماً في تحقيق ما ينفعها في أمر دينها ودنياها من تسهيل معايشهم ومساكنهم وغير ذلك مما هم يحتاجون إليه، وإن النوايا الصادقة إن شاء الله مقبلة على خير كبير وعمل صالح، هذه نعمة من الله عظيمة والتي هي سبب ارتباط الراعي برعيته فالراعي إذا اتقى الله وأحسن نيته وقصده في التعامل مع الله فأطاعت الرعية ولي أمرها، والتفت حوله وسمعت وأطاعت له فإن هذا السمع والطاعة من النوايا الصالحة من أسباب قوة المجتمع واستمرار حياته وطمأنينته، فإن المجتمع المسلم يعيش هكذا براعٍ ورعية، راعٍ متقٍّ لله مخلصاً له في ذلك، راع يريد الخير لأمته ويسير بها للخير الصلاح ويحقق أمانيهم في معاشهم ومساكنهم وما يحتاجون إليه من خدمات وغير ذلك ويكون في هذا كله الخير، ويشكرون لراعيهم هذا الخير والنعمة وعلى هذا التضامن والتعاون وعلى هذا الأمن والاستقرار، فوفق الله القيادة لكل خير وأعانهم على كل خير، علينا أن نتعاون معهم، لنشد أزرهم ونقوي عضدهم ونكون معهم في الخير تعاوناً وتناصحاً وأمراً بالخير وشكراً للنعمة فلا يشكر الله من لا يشكر الناس.

وأضاف: أيها المسلم، إن القيادة في نظامها وقوتها وقدرتها نعمة من رب العباد، فما هذه الفوضى في العالم الإسلامي إلا نتيجة أنه لا قيادة، فافتقدوا الوالي والآمر والناهي، فوضويات يعيشون بها في دمائهم وأعراضهم وأموالهم يعيثون فيها فساداً، فنحن في هذا البلد العظيم في نعمة وأمان واستقرار، ونسأل الله من قادتنا إن شاء الله ما يرزقنا، ويفرحنا فنسأل الله أن يبارك في أعمارهم، وأن يرحم أمواتنا وأموات جميع المسلمين، وأن يرحم عبدالله بن عبدالعزيز، وأن يجزيه عنا خير الجزاء، وأن يوفق خليفته سلمان بن عبدالعزيز، لكل خير ويعينه على كل خير، وأن يسدده في أقواله وأعماله إنه على كل شيء قدير.

كلمات البحث
addtoany link whatsapp telegram twitter facebook