إن المتأمل في موقف الشارع العام السعودي من طرح أحد البنوك الربوية لأسهمه للاكتتاب العام، يدرك معنى الخيرية في هذه الأمة، ويتلمس أثر قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...}[آل عمران:110] ويستبشر برحمة الله ولطفه.

إن الوقوف على حدود الله، والبُعد عن المحرمات من الكبائر وما دونها واجبٌ شرعيٌّ عامٌ لكل مسلم، وعند اشتباه الأمور واختلاطها ووقوع الفتن فإن المسلم يعود لفتاوى العلماء الربانيين الراسخين؛ يفهمها ويتعلمها ويقف عند حدود الله تعالى فيها.

وإن القيام بخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي والتناصح بين المسلمين ليس واجب العلماء فقط، بل هو واجب كل مسلم بحسب القدرة، يستوي في وجوب القيام بذلك الحاكم مع المحكوم والرجل والمرأة والصغير والكبير والحر والعبد.

يدل على ذلك لفظ العموم في الآيات الكثيرة التي تحثّ على هذه الشعيرة، ومنها قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].

وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:41] وغيرها كثير.

وبهذا يحفظ الله عز وجل الدين ويمكنّ لأهله ويدفع عنهم العقوبات والهلاك، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم، فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء، فتوضأ، وما كلم أحدا، ثم خرج، فلصقت بالحجرة أسمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يا أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني، فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم»، فما زاد عليهن حتى نزل. [أخرجه ابن حبان والطبراني وأحمد، وقال الألباني: حسن لغيره]

وقد صدرتُ مقالي هذا بعنوان "الممانعة المجتمعية يا أمة الخيرية" إشارة إلى أهمية قيام المجتمع بأكمله بدوره في حفظ قيمه وثوابته الإسلامية، وصيانتها من الانصهار في قيم مستوردة غير إسلامية، مع انتشار الفتن والبلايا المعاصرة.

هذه الممانعة المجتمعية يعرّفها الدكتور محمد السعيدي بأنها:

(اقتصار المجتمع على دينه وبيئته وتاريخه ومقدرات أرضه ولغته في إنتاج آدابه وأخلاقه ورؤاه وعباداته وعاداته وأعرافه. ويلزم من هذا الاقتصار: رفض المجتمع تبني كل أدب أو رؤية أو خُلُق أو عبادة أو عادة أو عُرف ليس نتاج الدين وهو بيئته وتاريخه ومقدرات أرضه ولغته).

وإني أدعوكم أيها القراء الكرام لقراءة كتاب الدكتور محمد إبراهيم السعيدي [الممانعة المجتمعية – تأصيل فكري للمفهوم والوسائل – الناشر مركز الفكر المعاصر] وهو كتيب صغير لكنه عظيم الفائدة.

جعلنا الله وإياكم من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الحافظين لحدود الله في السر والعلن، وأغنانا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه، وحفظ الله على بلادنا دينها وأمنها وإيمانها وعزها ومنعتها.. آمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.